معارك إقليم قره باغ.. صراع عرقي أم تصفية حسابات؟

4 أبريل 2016

أعاد تجدد المناوشات العسكرية بين أذربيجان وأرمينيا إلى الأذهان الصراع العرقي والعسكري القديم بين الجانبين على إقليم “ناجورنو كاراباخ” الذي تقطنه أغلبية أرمينية وأعلن استقلاله عن أذربيجان في مطلع عام 1992. عودة المناوشات بينهما بعد فترة الهدنة الطويلة التي استمرت منذ عام 1994 حتى الآن أثارت سؤالاً رئيسياً حول طبيعة الصراع في هذه المنطقة وهل هو بالفعل مجرد صراع عرقي أم إنه تعدى هذه المرحلة ليصبح فرصة دورية لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية التي لم تتسع ساحة الشرق الأوسط لحلها؟

4

 

يقع إقليم ناجورنو كاراباخ داخل حدود أذربيجان التي تحده من الشمال والشرق وتبعد عاصمته “سيتباناكيرت” عن العاصمة الآذرية باكو نحو 270 كم، وتجاوره غرباً أرمينيا وجنوباً إيران وتبلغ مساحته نحو 4.800 كم2. ظل الأقليم الذي كان خلال الحقبة السوفيتية متمتعاَ بأحد أشكال الحكم الذاتي منتظراً فرصة مواتية للإنفصال عن آذربيجان إلى أن حانت الفرصة عام 1988 حين قدم المجلس المشرف على الأقليم طلباَ للمجلس السوفيتي الأعلى لإلحاقه بأرمينيا وهو ما لاقى اعتراضاَ من جانب أذربيجان التي اشتبكت قواتها مع سكان الإقليم في محاولة لمنعهم من الانفصال. استمر التوتر العسكري والسياسي بين الجانبين في التصاعد إلى أن أعلنت أذربيجان وأرمينيا استقلالهما عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 فقام برلمان الإقليم في مطلع عام 1992 بالتصويت بالموافقة على الانفصال عن آذربيجان.
بعد عدة أشهر من تحرك برلمان الإقليم اندلعت حرب واسعة بين أذربيجان من جهة والإقليم مدعوماً من أرمينيا من جهة أخرى إعلنت الفصائل الأرمنية في الإقليم قيام “جمهورية ناجورنو كاراباخ” وتوقفت العمليات العسكرية التي حصدت ما يناهز 35 ألف قتيل بعد التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في أيار/ مايو 1994 في العاصمة البيلاروسية مينسك برعاية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بجانب روسيا.
وعلى الرغم من هذا الاتفاق إلا أن حالة الحرب بين البلدين ظلت قائمة بشكل ضمني فى ظل تجدد دوري للاشتباكات الحدودية المحدودة بين أذربيجان والجمهورية التي لم تعترف بها أي دولة لكنها تحظى برعاية ودعم عدة دول على رأسها روسيا وأرمينيا التي تتعامل معها كجزء من أراضيها.

تظهر الصورة بشكل أوضح إذا ما استعرضنا الأطراف الإقليمية المنخرطة في هذا الملف. تعد تركيا من الأطراف الرئيسية في هذا النزاع نظراً لأنها كانت تساند أذربيجان منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي فيما تمثل روسيا وإيران الحليفين الأساسيين لأرمينيا في هذا الصراع أما في ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فعلى الرغم من كونهما أيضاً من بين الوسطاء في اتفاق وقف إطلاق النار بين أذربيجان وأرمينيا إلا أنه كان واضحاً اتخاذهما جانب أذربيجان منذ البداية. في هذا الصدد لا يمكن تجاهل دور إسرائيلي واضح في ما يتعلق بالتسليح. سابقاً وخلال الأزمة الجورجية صادرت القوات الروسية أعتدة إسرائيلية الصنع ضمن تسليح الجيش الجورجي من بينها طائرات دون طيار وصواريخ مضادة للدروع، الأمر نفسه حدث في الأزمة الحالية حيث اتضح أن الطائرة دون طيار الآذرية التي أسقطها الدفاع الجوي الأرميني هي من نوع “Thunder-B” إسرائيلية الصنع.

خلال الأيام الماضية بدأت القوات الآذرية هجوماً مفاجئاً تم ليلاً في اتجاه المناطق التي تسيطر عليها قوات الأقليم المدعومة من الجيش الأرميني جنوب غرب أذربيجان وكان في ملامحه مشابهاً للهجوم الذي نفذته القوات الجورجية في اتجاه أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عام 2008 ، لكن كان واضحاً ان قوات الإقليم والجيش الأرميني كانا على علم بالهجوم وتمكنا بعد الدفع بقطع مدرعة من عاصمة الإقليم وطائرات مقاتلة من أرمينيا من صد القوات المهاجمة وإسقاط طائرة استطلاع بدون طيار ومروحية مقاتلة من نوع “Mi-24” بجانب تدمير دبابتين وناقلة جند مدرعة وقتل ما لا يقل عن 12 جندياً من الجيش الأذربيجاني الذي بدوره قال إنه دمر 6 دبابات أرمينية وقتل 100 جندي أرميني. لكن بياناً لوزارة الدفاع الأرمينية قال إن عدد القتلى من الجيش هو 18 قتيلاً بجانب 35 مصاباً، تحولت المعركة بعد إحباط الهجوم الأذربيجانى إلى تراشق مدفعي مستمر برغم إعلان وزارة الدفاع الآذرية عن وقف النار من جانب واحد.
الإشتعال المفاجئ في هذا الملف بعد فترة طويلة من الهدوء النسبي يؤكد أن ما حدث كان “تصفية حسابات” إقليمية بين روسيا وتركيا، روسيا من مصلحتها إيقاف التدهور في هذا الملف حيث إنها في غنى عن أي تطورات دراماتيكية فيه نظراً لانشغالها بالميدان السوري والوضع الأوكراني. وستظهر الأيام المقبلة ما إذا كان هذا هو اشتعال لفتيل أزمة قد تؤدي إلى خلط أكبر للأوراق الإقليمية وتشتيت أكثر للمجهود الروسي أم أنه اشتعال موقت ربما يخمده تدخل روسي ما سواء على المستوى السياسي أو العسكري.

الكاتب: محمد منصور (الميادين)

Author

آسيا الوسطى

أذربيجان

أرمينيا


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.