الاخوان المسلمين في الاْردن نحو فتح صفحة جديدة

22 ديسمبر 2015

الاخوان المسلمين في الاْردن نحو فتح صفحة جديدة

تعيش الحركة الإسلامية في الأردن («الإخوان المسلمون»، و «حزب جبهة العمل الإسلامي») مرحلة تصدّع واضح. ففي هذه الأيام، تتّجه شخصيّات «إخوانيّة»، توصف بـ «الحكماء»، وتقود تيّار «الانقاذ الإخواني» إلى تأسيس إطار سياسي جديد. وبرغم أنَّ أعضاء التيار ليسوا «انقلابيين»، حتى اللحظة، خصوصاً أنَّهم ما زالوا متمسّكين بعضوية الجماعة وبقانونها الأساسي وسياساتها العامة، إلَّا أنَّه من غير الممكن فصل ما يجري ضمن الجماعة الإسلامية عمَّا جرى قبل أشهر عندما قام العين السابق والمراقب العام الأسبق للجماعة، عبد المجيد ذنيبات، بترخيص جمعيّة «الإخوان المسلمين»، ما فتح باب الأسئلة حول شرعيّة جماعة «الإخوان» على مصراعيه. وسبق ذلك بعامين، استقالة القيادي السابق في «الإخوان» ومنسّق مبادرة «زمزم» د. ارحيل الغرايبة، من عضوية الجماعة، وتأسيسه لإطار سياسيّ يحمل اسم «زمزم».
على أنَّ حركة التوتّر ليست جديدة داخل الجماعة، لكنَّها تشهد، منذ العام 2011، تسارعاً كبيراً يطرح أسئلة كثيرة؛ على رأسها: هل للظرف الإقليمي الحرج المتمثّل بالثورات العربية والأزمة السوريّة وتوابعها، دورٌ في هذه الانقسامات؟ وهل صحيح أنَّ الأجهزة الأمنيّة الأردنيّة تسعى لتفتيت الحركة عبر مقاربة آمنة لا تتصادم فيها الدولة مع الحركة كما جرى في بلدان عربيّة أخرى، بل يتمّ تقييدها وتحجيمها عبر انقسامات تحدّ من قوَّتها في الشارع؟ وهل هنالك ظروفٌ بنيويّة داخل الحركة تفرض هذه الانقسامات؟
أيُّ الظروف السابقة هو المسؤول عمّا يجري في صفوف الحركة؟ وما هو مستقبل الحركة الإسلامية في ظلّ كل هذه المتغيّرات والانقسامات الحاصلة داخلها؟
عدّ أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة اليرموك د. وليد عبد الحي، أثناء حديثه إلى «السفير»، أنَّه من غير الممكن تحليل مشكلة «الإخوان المسلمين» في الأردن بمعزل عن أسباب ثلاثة تقف خلف الانقسامات في الحركة الإسلامية، وهي، إيقاع التغيير السريع في العالم والمنطقة الذي يواجههه بطء تكيّف من دوائر الحزب، بالإضافة إلى دور الأجهزة الأمنيّة في داخل هذه الحركات التي تسارع في الانقسامات وتؤجّجها أحياناً، ولا يمكن إغفال دور الاضطرابات الخارجيّة.
فكلّ تلك العوامل، بحسب وجهة نظر عبد الحي، ساهمت في هذه الانشقاقات التي تشهدها الحركة الإسلامية في الأردن، داعياً إلى عدم المبالغة في ظاهرة الانقسام لأنَّها ظاهرة طبيعية، فضلاً عن أنَّ «الإسلاميين ليسوا استثناءً، فظاهرة الانشقاق بشكل عام، موجودة في الأحزاب منذ الثورة الصناعية وحتى الآن، وهي ظاهرة طبيعية لا تقتصر على الأحزاب الدينيّة».

مستقبل الحركة الإسلامية في الأردن
برغم أنَّ الانقسامات أمرٌ طبيعيّ في الأحزاب، لكنَّها تؤثّر على وجودها في النهاية، ومن أبرز نتائج دراسة أنجزها عبد الحي، بعنوان «مستقبل الإسلام السياسي في المنطقة العربية بين الاتجاه الفرعي والاتجاه الأعظم»، أنَّ الحركات الإسلامية، ليس في الأردن وحسب بل في العالم، ستواجه تراجعاً واضحاً بين العامين 2020 و 2022. مقتبساً من الدراسة الصادرة عن «مركز الدراسات المستقبلية» في جامعة القدس المفتوحة، يتحدّث عبد الحي عن آلية التراجع، قائلاً: «بتقديري ستتراجع، لكنّها ستعرف نوعاً من الصعود ونوعاً من الهبوط خلال السنوات الست إلى السبع المقبلة، لكن عند رسم منحنيات الصعود والهبوط، ستكون ذروة كل منحنى أدنى من المنحنى السابق له»، متتبّعاً مسارها عبر دراسة العوامل الداخلية في العالم العربي والعوامل الخارجية والتفاعل بين هذه العوامل، مشدداً على عداء المؤسسات العسكرية في العالم العربي لهذه الحركات.
ونتيجة العوامل العديدة التي درسها عبد الحي، والمتعلقة بالجماعات الإسلامية في العالم العربي، تبيّن له أنَّ هنالك 126 نقطة ضدّ الحركات الإسلامية، و27 نقطة لمصلحتها.
أحد العوامل التي أثّرت سلباً على الحركات الإسلامية، وفق عبد الحي، أنَّ النسبة الكبيرة من قيادات الحركة الإسلامية في العالم العربي، هم «تكنوقراط»، أي انهم بعيدون عن التخصصات الاجتماعية والإنسانية، ومتخصّصون في الجانب العلمي، وطابع تفكير هؤلاء في الغالب ميكانيكي، بينما ابن العلوم الاجتماعيّة والإنسانيّة غالباً ما يكون جدلياً، يؤمن بالنظرية ونقدها، فينظر إلى الأشياء من زاوية أوسع.
لكن عبد الحي يفرق بين الدين كعقيدة وبين الحركة الإسلامية، فهو لا يتحدّث عن مستقبل الدين، بل عن مستقبل حركات الإسلام السياسي.
ويتفق المتخصص بالجماعات الإسلاميّة حسن أبو هنية مع ما سبق، مبيناً أنَّ ظاهرة الإسلام السياسي ـ و«الإخوان المسلمين» جزء منها ـ إنَّما هي ظاهرة توشك على الزوال، وإنّنا قد نشهد في المستقبل حركات ما بعد الإسلام السياسي.
إذاً، فإنَّ المقبل من الأيام قد يشهد حركات تقبل العلمانيّة وتعيش تحت ظلّها، بعدما كانت (أي العلمانية) كفراً! وسنخوض المرحلة الانتقالية هذه بكلّ ما فيها من انقسامات ونقاشات، لكن نتيجتها واحدة: الإقرار بالدولة العلمانيّة، وغياب حلم الدولة الدينية الذي داعب طويلاً أبناء الحركات الدينية في العالم العربي.

                                                                         55

أزمات «الإخوان» الداخلية
من غير الممكن الحديث عن تراجع حركات الإسلام السياسي في العالم العربي، بمعزلٍ عن بحث الأسباب، ومن الصعب تشخيص ما تمرّ به الحركة الإسلامية بمعزلٍ عن مشاكلها الداخليّة، لذا فإنَّ أبو هنية يشير، في حديثه إلى «السفير»، إلى وجود أزمة ذاتيّة داخل الحركة متعلّقة بالبيئة الداخلية لها، بالإضافة إلى الأزمة الموضوعيّة المتعلّقة بالبيئة السياسيّة العامة.
ومعروف ان الحركة الإسلامية في العالم غير قادرة على مواكبة المتغيّرات العميقة في بنية النظام الإقليمي والمحلي والدولي، وما دام التنظيم «الإخواني» تنظيما عالميّا، فإنّنا سنجد الحالة واحدة لدى كل التنظيمات في تونس والعراق والسودان ومصر واليمن والجزائر.
ويعزو السبب في ما سبق، إلى مشكلتين متعلّقتين في بنية الجماعة، هما، التصلب الأيديولوجي، والجمود التنظيمي الهيكلي. لذا، لم تطوّر الجماعة الإسلامية في العالم العربي والأردن بنيتها الفكرية والأيديولوجية لتواكب المتغيّرات والتحوّلات الديموقراطية و «الربيع العربي»، وما رافقها ويرافقها من متغيّرات سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة.
من هنا، يعزو أبو هنية انتقال حركات وقيادات في الحركة الإسلامية من طور الإسلام السياسي المستند على هذا التراث، إلى طور ما بعد الإسلام السياسي. وتتمثل ظاهرة «ما بعد الإسلام السياسي» بحزبَي «العدالة والتنمية» في المغرب وتركيا، أي الأحزاب العاملة في ظل الدولة العلمانية والمتقبلة لها.
مع ذلك، فإنَّ القيادات التي انشقّت عن الحركة الإسلامية في الأردن، وتلك التي ستنشقّ، وفق أبو هنية، لم تصل بعد إلى مرحلة حزبَي «العدالة والتنمية» في المغرب أو تركيا، أي مرحلة ما بعد الإسلام السياسي.
وهنا يشير عبد الحي إلى القضية ذاتها عندما يستعرض حالتَي الانشقاق في الأحزاب عموماً، وهي؛ الأولى إذا ظهرت قيادات جديدة من داخل الحزب، وهذه تحدث كل 10 إلى 12 سنة، فيحدث إحلال نخبوي داخل الأحزاب، وعند محاولة التغيير تتاح الفرصة للانشقاق، والثانية هي اضطراب البيئة من حول الحزب، واضطراب البيئة في المنطقة العربية لا يحتاج إلى دليل، فالمنطقة مشتعلة عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، والمطلوب من الحزب التكيّف مع المتغيّرات، ومن هنا تبرز مشكلة الحركات الدينية التي تُبدي قدرة محدودة على التكيف مع المتغيرات السياسيّة.
وتمتلك الأحزاب ذات الطابع الديموقراطي، بحسب تعبير عبد الحي، آلية داخليّة لحلّ الإشكالات الحزبيّة في ظلّ التباين في الرأي والتعقيدات والتطورات السياسيّة، بينما تفتقر الأحزاب ذات الطبيعة الأكثر تزمّتاً ومحافظة لآليات حلّ النزاع الداخلي، لذلك تذهب إلى الانشقاق.

معضلة طرح الأسئلة الكبرى
هنالك أسئلة كبيرة تلاحق الجماعة الإسلامية في الأردن منذ سنوات، وهي حتى اليوم تتهرّب من استحقاقات الإجابة عليها، ما يعزّز الخلافات في أروقتها.
يشير أبو هنية إلى أحد هذه الأسئلة الملّحة، وهي التي نشأت بعد توقيع عمليّة السلام مع العدو الصهيوني، فنشأ سؤال حول التمثيل، خصوصاً أنَّ الأردن يتألف من مكوّنين أساسيّين (الأردنيون، والأردنيون من أصول فلسطينيّة). فهناك من يريد الحفاظ على الطبيعة التقليدية للجماعة، ومن يريد طبعها بالصبغة الأردنية، ومشكلة الهوية هذه لا تناقش ومسكوت عنها في الحزب، بحسب أبو هنية.
وعند الحديث عن طبيعة المنشقّين عن الحركة الإسلامية وهل يمكنهم إحداث التغيير في هذه البنية أو خلق تغيير، يجيب أبو هنية بأنَّ معظم الراغبين بالانقسام، غير مثقّفين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً بالشكل الكافي. بلغة أدقّ، فإنَّ الحركة الإسلاميّة لم تنجب منظّرين ومفكّرين بالشكل الكافي، ما يعيقهم عن الخروج من مشكلة التصلب الأيديولوجي.
بالإضافة إلى ما سبق، يعود ويؤكد على مشكلة الجمود التنظيمي، فالتنظيم محافظ بالشكل التقليدي القديم، في المرجعيات وكيفية اتّخاذ القرار والعضوية، وهو مسبب لمشاكل عديدة تعاني منها الحركة في الأردن، على رأسها مشكلة العلاقة مع التنظيم العالمي ومشكلة العلاقة مع التنظيم في بلاد الشام، بالإضافة إلى مشكلة العلاقة مع «حماس»، وأحد الأسئلة السابقة هو علاقة الحركة بأختها الكبرى في مصر، كان عنواناً لانشقاق عبد المجيد ذنيبات وترخيصه جمعية «الإخوان المسلمين».
ويعود أبو هنية للإشارة إلى أنَّ العثرتين اللتين تمنعان من طرح كل الأسئلة السابقة داخل أروقة الحركة الإسلامية هما؛ الجمود التنظيمي والتصلب الأيديولوجي، مبيناً أنَّ أحداً لا (حتى مبادرة «زمزم»، أو «تيار الإنقاذ الإخواني»، أو غيرهم من المنشقين)، يريد أن يمس هذين العصبين الأساسيين برغم أنَّهما أساس المشكلة، واصفًا الأطراف بأنَّ كلاً منها يريد الاستحواذ على الجماعة من دون القول إنَّ هناك خللاً في الجماعة.

 

Author

الاخوان

الاردن

الحركة الاسلامية


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.