الأسرار الخفية للهجرة المليونية نحو الغرب

30 مارس 2016

ربما تشكل ظاهرة هجرة النازحين من البلدان الإسلامية وجلهم من غرب وجنوب آسيا وشمال أفريقيا نحو القارة العجوز واحدة من أكثر الملفات ضخامة في القرن الحادي والعشرين،  الظاهرة التي تصب في مصلحة الغرب من كافة أبعادها عبر إستغلال الطاقات الشابة واليد العاملة الرخيصة والمهيأة للعمل في المصانع الكبرى المملوكة للدول الأوروبية، أو إستغلال النازحين تحت 18 عاماً لإصلاح الفراغ المتمثل بإنخفاض ميزان المواليد الجدد، أو حتى إفساح المجال أمام تسلل المتمردين المتشددين إلى البلدان الأوروبية حتى يتم الإستفادة منهم لاحقاً وثم تحميل المسؤولية على عاتق المسلمين وفي النهاية تجنيد المقاتلين لخوض حروب جديدة في بلدانهم الأصلية في آسيا.

1

للوهلة الأولى فإن المظاهرات التي شهدتها سوريا بادئ الأمر كانت تبدو أمراً طبيعياً فالرئيس حافظ الأسد كان يدير البلاد بشكل قوي وبلا منازع عبر نظام الحزب الواحد منذ 35 عاماً، ناهيك أنه كان يميل أكثر للمعسكر الشرقي كما أنه أشتهر بين المواطنين العرب بنزعته الهجومية في مواجهة الولايات المتحدة حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون كتب في مذكراته الخاصة أنه كان يهاب “الأفكار السياسية” للرئيس الأسد.

ومع وصول بشار الأسد إلى مقاليد السلطة في البلاد كان بضع تيارات سياسية محدودة ينتهزون الفرص والذرائع للإنقضاء عليه وقد وجد هؤلاء ضالتهم في ما سمي بالربيع العربي.

من المؤكد أن “الربيع العربي” تمت إدارته في جميع البلدان العربية وشكلت أرضية خصبة لثلاثة مشاريع هامة:

وقد شكلت بلدان مثل سوريا (عائلة الأسد) والعراق (عائلة صدام حسين) وليبيا (عائلة القذافي) ذات الأنظمة الإشتراكية والمعروفة بقربها من موسكو شكلت حافزاً ودليلاً مقنعاً أمام البنتاغون من أجل ضرب هذه الأنظمة والعمل على إسقاطها، وحلف الناتو لم يرغب بأن تحظى هذه البلدان الإستراتيجية دوراً في الفصل الجديد للسياسة العالمية بـ 50 عاماً المقبلة وإظهار قدراتها على المسرح الروسي، لذلك فإن إدارة الحرب في هذه البلدان تبدو منطقية.

في الحقيقة لقد تم إطلاق برنامج لخمسين عاماً من الصراع وخريطتها يغطي الكرة الأرضية بأسره؛ وحلف شمال الأطلسي يريد إظهار تفوقه على منظمة شنغهاي وواشنطن من أجل التفوق على الجميع(!) حرب سوريا خلفت نازحين كثر بلا مأوى في العالم. إحصائيات اللاجئين في البلدان الإسلامية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا يعرفها القاصي والداني، المنظمة الدولية للهجرة أذاع عبر وسائل الإعلام في كل يوم إلى العالم أخبار مثيرة وصادمة من البؤس البشري الذي يعانيه اللاجئون إلى أن أعلن الغرب و بشكل غير متوقع رغبتها بمساعدة النازحين وقبول طلبات اللجوء و بشكل ممنمج تركت حدوها مفتوحة أمام تدفق تسونامي اللاجئين نحو أوروبا وخاطبت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الإتحاد الأوروبي جملتها الشهيرة: (الذين يأتون إلينا مسلمين، هم لايذهبون نحو مكة والمدينة بل لجؤوا إلينا طلباً للعون، يجب علينا مساعدتهم).

تخطى حاجز المهاجرين المليون لاجئ، تشكلت مافيا تهريب الإنسان وساهمت سفارات عدة دول بتحمل الأعباء المالية لهذا المشروع الضخم، ويمكن الإشارة إلى السفارة التركية في أفغانستان التي كان لديها خطة محكمة بالتواطئ مع عدد من المواطنين الأفغان لإصدار سمات الدخول (الفيزا) وحتى أنهم كانوا يعقدون أحياناً إجتماعات خاصة في أنقرة مما در عليهم مئات ملايين الدولارات من جيوب الناس البسطاء العاطلين عن العمل الذين إنخدعوا وسحروا بالخطابات الجوفاء حول أسلوب الحياة المريحة والآمنة وفرص العمل المتوفرة بالغرب.

وكان الوجه الآخر لهذه المحنة هي أن معظم اللاجئين والنازحين من الطاقات المستعدة للعمل اللذين يملكون معلومات لابأس بها حول ظروف العمل، بمعنى آخر هذه ليست موجة هجرة من المجتمعات الريفية ومن القرى النائية نحو المدن الكبيرة داخل البلد الواحد فحسب بل أن طوابير اللاجئين شملت هجرة الأدمغة من العواصم الإسلامية بسبب انعدام فرص العمل وانعدام الأمن ولأنهم فقدوا الأمل بمستقبل بلدانهم، في الواقع نحن ساهمنا بهجرة القوى العاملة في بلداننا نحو الغرب.

الآن بات الوضع أكثر تعقيدا، وأولئك الذين إعتبروا أنفسهم منقذ ضحايا الكوارث الإنسانية من البلدان التي مزقتها الصراعات الدموية وتباهوا أن بلدانهم أعظم من مكة المكرمة والمدينة المنورة أضحوا غير مستعدين لتقبل المزيد من اللاجئين ما يعني أن مشروع الهجرة دخلت مرحلة جديدة مع تفعيل برامج حوافز تشجيعية ونفسية. إذ بعد قبول الآلاف الاجئين، فإن مئات الآف آخرين سيتم إعادتهم إما إلى بلدانهم الأصلية أو إسكانهم في تركيا وفق خطة معدة سلفاً حيث ينتظرهم خطة عشرية (10 سنوات)؛ ومع تسلم منحة بقيمة 3 مليارات دولار التي تسلمتها مؤخراً ستعمل الحكومة التركية على الإحتفاظ باللاجئين على أراضيها، وستكثف البلدان الأوروبية عملية نقل اللاجئين إلى الأراضي التركية مستفيدة من الضغط النفسي وتعاطف الرأي العام العالمي إثر الهجمات المدوية في القارة الأوروبية وآخرها هجمات بروكسل. فبعد ضرب الإستقرار في سوريا وليبيا وأفغانستان ووعود تقديم المساعدة إلى مئات الآف المسلمين الذين وصلوا إلى حدود أوروبا ونجاح ثلثي المغامرة أعادوهم إلى الشرق مرة أخرى عبر خلق بلبلة وزعزعة الأمن في بعض المدن الأوروبية ومنح المساعدات المالية إلى تركيا!

هذه القضية الشائكة يتزامن مع إنتهاء الإتفاقيات المئوية بمناطق غرب وجنوب آسيا مثل (إتفاقية ديورند) في أفغانستان وباكستان (التي كانت جزء من الهند إبان الإحتلال البريطاني) و (إتفاقية سايكس بيكو) في بلاد الشام والعراق؛ والقوى الكبرى متمثلة في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وروسيا في حالة مساومة مكثفة والحرب الباردة تحولت إلى مواجهة ساخنة حول السيطرة على منطقة الشرق الأوسط الجديد أو ما أطلق عليه بـ (النظام الجديد)، ومنظمة شانغهاي بقيادة الروس وبلدان قوية أخرى مثل الصين والهند وإيران لاترغب بتاتاً أن يقوم حلف الناتو برسم خريطة جديدة بمناطق نفوذها في آسيا عبر قيام إقليم كردستان وتقسيم العراق وفدرلة سوريا.

صحیح أن الولايات المتحدة لها اليد الطولى في الصراع الدائر بالشرق الأوسط وهي تسعى لتطبيق خططها في معظم ساحات النزاع خاصة إضعاف جيوش البلدان المحيطة بإسرائيل وتقسيم البلدان عبر تشكيل الإمارات المكونة على أسس قومية ومذهبية وإنهاك جميع بلدان المنطقة بالنزاعات فيما بينها؛ لكننا يجب أن لانغفل دور (محور المقاومة) بزعامة إيران ومنظمة شانغهاي التي إتخذت إجراءات وقائية عاجلة في سوريا والعراق وأجزاء من أفغانستان؛ هل يكونون الوكيل الحقيقي لمناطقتهم في المستقبل، هل يملكون خطط شاملة لمئات الآف اللاجئين المسلمين الذين إرتموا بأحضان الغرب؟

Author

أزمة اللاجئين

أفغانستان

ألمانيا

أوروبا

سوريا

هجرة الأدمغة


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.