إنقلاب القوة والعرض المسرحي في تركيا

20 يوليو 2016

بعد مضي ما يقارب على 3 عقود شهدت تركيا مرة أخرى إنقلاب عسكري جديد، لكن إستطاعت الحكومة خلال بضع ساعات من السيطرة على مجريات الأمور وبدأت بإعتقال المنفذين الواحد تلو الآخر.

مساء الجمعة الماضي تناقلات وسائل الإعلام نبأ حدوث إنقلاب عسكري في تركيا يعتقد بشكل كبير أنه تم التحضير لها مسبقاً في البلد الذي سبق وأن ذاق طعم مثل هكذا إنقلابات عدة مرات في تاريخه، الأولى في 27 مايو 1960 عندما تم إسقاط الحكومة المنتخبة ديمقراطياً عبر إنقلاب عسكري، ثم تبعها 3 إنقلابات أخرى (12 مارس 1971 – 12 سبتمبر 1980 – 28 فبراير 1997) ما الحق أضرارا واسعة بالحياة السياسية والإقتصادية فيها.

8

لكن مسلسل الإنقلابات عاد من جديد ليطل برأسه ليلة 15 يوليو 2016، ففيما كان الرئيس رجب طيب أردوغان يقضي إجازته سيطرت قطعات عسكرية محدودة على أجزاء حيوية من البلاد أهمها مطار أتاتورك الدولي بمدينة أسطنبول ومبنى الإذاعة والتلفزيون الحكومي، لكن على عكس المرات السابقة لم يستمر سيطرة هؤلاء لفترة طويلة وما هي إلا ساعات حتى تراجع الزخم.

لقد عمد الإنقلابيين في بادئ الأمر إلى إغلاق جسر البوسفور الشهير في إسنبطول ومنع حركة السيارات ايذاناً بإنطلاق حركتهم، ثم تواردت الأنباء عن إشتباكات رافقها تحليق مكثف للمقاتلات على علو منخفض في سماء العاصمة أنقرة وباقي المدن الحيوية.

التحولات الأخيرة في تركيا ورغم فشل الإنقلاب العسكري يؤكد بما لايدع مجالاً للشك أن التيار السياسي الذي يتزعمه أردوغان أصبحت مدار التساؤل والتشكيك. فهو إنتهج سياسة القمع الشديد ضد معارضيه في السنوات العشر الماضية، كما وفر دعم كامل إلى الإرهابيين الدوليين، ودفع تركيا البلد الإسلامي الكبير إلى حافة الانهيار؛ وقف إلى جانب السعودية وقطر وغض الطرف عن تنامي قوة تنظيم داعش الإرهابي إلى حد أطلق عليه الكثيرين حول العالم لقب “داية داعش”. لقد سعى أردوغان منذ البداية للإستيلاء على السلطة وحاول بشتى الوسائل تصفية الجيش من العناصر التي تعارض حكمه، من ثم توجه إلى إدخال تعديلات جذرية في دستور البلاد عبر تحويل النظام من برلماني إلى رئاسي كي يجمع كافة السلطات تحت تصرفه.

في الإنقلاب الفاشل الذي وقع مساء السبت قامت قوة عسكرية محدوددة من أجل إسقاط حكومة كافحت في 14 عاماً الماضية لإقتلاع جذور العسكر، وهذا ما دفع الكثيرين لطرح سؤال فيما إذا شهدت تركيا إنقلاب حقيقي أو أنها مجرد سيناريو معد مسبقاً لتحقيق أهداف سياسية؟ من هنا يمكن وصف الأحداث التي وقعت اثناء الإنقلاب الأخير على أنها جزء من مشهد مسرحي بإحدى الشوارع لعب فيه أردوغان دور المخرج، فخلال فترة وجيزة إنتهى الإنقلاب وتم شن حملة إعتقالات واسعة النطاق.

في نفس الوقت فإن محاولة الإنقلاب لها مدلول آخر وهي أن السيد اردوغان لم يستغل الفرص المتاحة أمامه للتراجع عن سياساته الخاطئة التي ذهب فيها بعيداً عن حدود صلاحياته وسلطاته الأمر الذي كان سبباً بحدوث تجاذبات داخلية وإقليمية وخلق أزمات هددت المصالح العليا للبلاد.

صحيح أن اردوغان إستطاع الخروج من هذه المحنة مروفوع الرأس لكن هناك إحتمال كبير أن تشهد الساحة الداخلية في تركيا إجراءات صارمة يصبح معها الجو العام مقيداً من كافة أبعاده؛ الإنقلاب الذي أدمع عين ارودوغان قد باء بالفشل لكنه ساهم بالكشف عن كم كبير من المشاكل وحالة من الإمتعاض والشرخ داخل يتطلب سنوات عديدة كي تلتئم من جديد.

وقد تطرق العديد من وسائل إعلام أمريكية كسائر المؤسسات الإعلامية العالمية كشف النقاب عن طبيعة الانقلاب في تركيا وتطرق كل منها إلى كتابة أبعاد مختلفة من جوانب القضية ولكنها أجمعت على نقطة واحدة وصفت فيها الانقلاب “حرص اردوغان في الإحتفاظ بالسلطات”، لكن ما يثير الإنتباه هو أن عدة صحف ومجلات أمريكية إستبقت الأحداث بالحديث عن إستعدادت لإجراء إنقلاب في تركيا.

صحيفة “فورين أفيرز” تحدثت بصراحة عن “الإنقلاب العسكري القادم في تركيا”، في المقالة المنشورة يوم 30 آيار/ مايو مضيفة ” أن هناك سيناريو محتمل قد يتدخّل الجيش فيه. فالأعوام الأربعة عشر التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية خففت إلى حدّ ما من موقف الجيش تجاه العلمانية، لكن النزعة الانفصالية الكردية لا تزال خطّا أحمر بالنسبة للقوات المسلحة. قد يتدخل الجيش إن وصل الصراع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا إلى حد الخروج عن نطاق السيطرة.”

صحيفة “نيويورك تايمز” في عدد 5 تموز/ يوليو رأت أن أردوغان الذي تبنى لفترة طويلة سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” يبدو غارقاً في صراعات مع الجميع وفي كل مكان تقريباً، وفي مقال تحت عنوان “اردوغان، زعيم تركيا بصدد صناعة أعداء جدد بعد أن تعب من أصدقائه القدامى” لمحت إلى إمكان حدوث إنقلاب في البلاد.

صحيفة “فارين باليسي” في 15 حزيران/ يونيو تساءل جون حنّا نائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق في عهد الرئيس جورج بوش “كيف تتخلص من مشكلة أردوغان؟” ينطلق حنّا الخبير في الشأن الاستراتيجي من أن تركيا تسير ببطء ولكن بشكل مؤكد باتجاه الهاوية متحدثاً عن مؤشرات قاتمة مثل “الاستبداد والإرهاب والحرب الأهلية” فيما تلوح في الأفق سيناريوهات أخرى مثل الدولة الفاشلة والتقسيم القسري. يضيف حنّا “لا يمكن استبعاد نوع من التدخل العسكري بشكل تام. هل يمكن السماح باستمرار تدهور الوضع في تركيا لجهة تنامي الإرهاب والصراع السياسي وجعل العلاقات تسوء مع الشركاء الغربيين التقليديين على سبيل المثال؟ ليس من المستبعد أن ينقلب الجيش على أردوغان في سبيل حماية تركيا من السير باتجاه الديكتاتورية الإسلامية وفشلها كدولة”.

جمبع هذه المقالات نشرت قبل نحو شهرين من تنفيذ الإنقلاب “الجمعة الماضي” وهي تحمل رسالة مفادها أن أردوغان تنبأ بما سيسفر عليه الأوضاع ومستقبل الإقدامات الإستثنائية الأمر الذي سيؤدي إلى أن يعيش هو وحكومته في عزلة مفروضة، ما إستدعى أن يتحرك من أجل البحث عن حل للخروج من المستنقع، حتى ولو أدى ذلك إلى سقوط ضحايا بصفوف المدنيين والعساكر من المواطنين الأتراك؛ لكن ما يهم السيد أردوغان تحقق أهدافه هو ليؤكد مرة أخرى أن “السياسية والدولة” لايرحم أحداً.

Author

اردوغان

الانقلاب العسكري

الجيش التركي

الولايات المتحدة

تركيا


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.