نشأة كيان الاحتلال الاسرائيلي وإشتعال الحرب في فلسطين

27 يونيو 2016

ما ابتليت أمةٌ من الأمم بمثل ما ابتليت به الأمةُ العربية والإسلامية في تاريخها الحديث على أرض فلسطين، حيث قام كِيانٌ دخيلٌ اغتصب الأرضَ وطرد سكانَها الأصليين الذين قطنوها منذ آلاف السنين، ليُحِل محلها أشتاتاً من شعوب مختلفة في أصولها ولغاتها وثقافاتها تحت غطاء من دعاوى دينية ملفقة، وأساطير (تلمودية) لا علاقة لها بالدين الحق الذي ينكر الغصب والعدوان، فضلاً عن تعارضها مع المبادئ السياسية التي تعارفت عليها الأمم، وأكدتها المواثيق الدولية المعاصرة.
ولم يبدأ الحلم بتأسيس وطن قومي ليهود العالم في فلسطين مع مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل (1860-1904م) الذي استطاع أن يجمع قادة اليهود الصهاينة في مؤتمر بال بسويسرا سنة 1897م، ولكنه مشروع استعماري قديم حاول نابوليون بونابرت تطبيقَه حينما غزا الشرق وأخفق، ثم تلقفه الإنجليز الذين رأوا ضرورة إنشاء كيان يهودي تابع لهم يمثل قاعدة لحماية مصالحهم في الشرق، وخصوصاً بعد افتتاح قناة السويس عام 1869م التي أضحت شرياناً حيوياً للطريق إلى الهند.
00
إذًا فالكيان الصهيوني -أو ما سمي بدولة ((إسرائيل))- كان مشروعاً عدوانياً معقداً التقت فيه مصالح الدول الاستعمارية -وعلى رأسها بريطانيا- وطموحات العنصريين اليهود الأوربيين الذين خططوا لإنشاء الكيان اليهودي في فلسطين، أمثال هرتزل ووايزمان وروتشيلد، واستطاعوا في النهاية الحصول على وعد من الحكومة البريطانية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، بناءً على خطاب أرسله وزير الخارجية البريطاني بلفور عام 1917م إلى الثري اليهودي روتشيلد بوصفه ممثلَ اللجنة السياسية التابعة للمنظمة الصهيونية، وقد عرف ذلك الوعد المشئوم بوعد بلفور.
وما أن حصل الصهاينة على هذا الوعد حتى بدءوا العمل الجدي لتحقيقه يداً بيد مع الحكومة البريطانية التي وجدت الفرصة سانحة لتحقيق أهدافها حين فوضتها عصبة الأمم عام 1922م بإعلان الانتداب على فلسطين، ففتحت باب الهجرة اليهودية إلى فلسطين على مصراعيه ليتضاعف عددُ اليهود مرات عدة عما كانوا عليه قبل الانتداب، كما استغلت قانوناً موروثاً من العهد العثماني يقضي بإعطاء الأراضي التابعة للدولة لمن يستثمرها، فحولت معظم هذه الأراضي لليهود. وكان المندوب السامي البريطاني اليهودي هربرت صموئيل يدير تلك المؤامرة الكبرى لسلخ فلسطين من أهلها وتسليمها للصهاينة.
في مقابل ذلك كان الشعب الفلسطيني يخوض نضالاً ضارياً ضد المشروع الصهيوني المدعوم من الاحتلال البريطاني، فقد كان يحارب على جبهتين: جبهة الصهاينة وعصاباتها الدموية مثل الهاغاناه والأرغون وشتيرن التي كانت ترتكب أبشع الجرائم في حق الشعب الفلسطيني لترويعه وإجباره على النزوح؛ وحكومة الانتداب التي فتحت باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وزودت تلك العصابات بما تحتاجه من السلاح وغيره. في حين إنها ضربت طوقاً أمنياً لمنع أية مساعدة يمكن أن تصل إلى شعب فلسطين، ولذلك اختل ميزان القوى لصالح الصهاينة، فما أن أعلن قرار التقسيم سنة 1947م ورفضه العرب حتى انفجر الصراع المسلح بين العصابات الصهيونية وبين المجاهدين الفلسطينيين والمتطوعين العرب في جيش الإنقاذ الذي لو توافر له التسليح والتدريب الجيد لتغير وجه المعركة قبل أن يعلن اليهود دولتهم.
وفي 15 من مايو/ أيار 1948م أعلنت بريطانيا انسحابها المتوقع من فلسطين، فأعلن الصهاينة قيام دولتهم على الأراضي التي اقترحها قرار التقسيم، الأمر الذي استدعى تدخل الجيوش العربية لنجدة الشعب الفلسطيني، لكنها لم تحقق المهمة المرجوة، بل كانت نكساتها خطيرة على مختلف الجبهات. ففي حين كانت مساحة الأراضي المخصصة لليهود طبقاً لقرار التقسيم تبلغ ( 56.47 في المائة) من مساحة فلسطين، فإنها أضحت بعد حرب 48 وإعلان الهدنة تضم (77.4 في المائة) من إجمالي مساحة فلسطين؛ وفي حين كانت مساحة الأراضي المخصصة للعرب في قرار التقسيم تبلغ (42 في المائة) من أرض فلسطين، فإنها تناقصت بعد الحرب وإعلان الهدنة إلى (22.6 في المائة) هي لكل من الضفة الغربية التي عهد بإدارتها للأردن وقطاع غزة الذي أصبح تحت الإدارة المصرية. أما الشعب الفلسطيني فلم يعد له وطن، وأصبح أكثره شعباً من اللاجئين في الشتات، في حين صُنّع وطن لمن لا يستحقه!
إن ذكرى النكبة يجب ألا تكون مناسبة للندب والبكاء على الأطلال، على رغم المآسي والجروح التي يمكن أن تثيرها، لكنها يجب أن تكون مناسبة لاستخلاص الدروس والعبر والتأمل فيما حصل، وكيف ولماذا حصل؟
وهنا يمكن الإشارة إلى ما يأتي:
أولاً: لقد وضعت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها هدفاً محدداً سعت في تحقيقه على مراحل. ففي مؤتمر بال 1897م طرحت فكرة الدولة اليهودية، وبدأت مباشرة جهودَها العملية لتحقيقها في فلسطين أو في أماكن أخرى مؤقتة كسيناء أو أوغندة، وجاءتها الفرصة سانحة حينما احتلت بريطانيا فلسطين، فجددت سعيها الدءوب لدى الحكومة البريطانية لتحقيق حلم الوطن القومي لليهود في فلسطين، أو ما يسمونها (أرض الميعاد)، وحصلت على وعد بلفور عام 1917م، ثم باشرت مدة ثلاثين عاماً من النشاط السري والعلني إلى أن أعلنت قيام كيانها الغاصب عام 1948م. وأهم ما نلاحظه في مسار الحركة الصهيونية هنا: اقتران القول بالفعل، والاستفادة من المعطيات الداخلية والمتغيرات الخارجية، كما هو الحال في الحربين العالميتين، والانتظار وعدم التسرع حتى تنضج الظروف المناسبة.
0000
ثانياً: في المقابل تجد الجانب العربي غير محدد الأهداف، وتتنازعُه التياراتُ الإقليمية والدولية. وحتى لو حدد الجانب الفلسطيني أهدافه في مواجهة المخطط الصهيوني لإقامة كيان يهودي مدعوم بسيل الهجرة والمال والسلاح، فإنه لا يجد الإمكانات والدعم الكافي للمواجهة، وكم من مدينة أو قرية فلسطينية سقطت بعد أن نَفِدَت ذخيرة المدافعين! ناهيك عن تحول القضية الفلسطينية ومأساة شعبها إلى شعارات يستغلها الانقلابيون وتجارُ السياسة لتحقيق مآربهم الشخصية؛ وذلك أثر تأثيرًا سيئا على صورتها في الشارع العربي، ولو لبعض الوقت.
ثالثاً: لا يمكن الدخول في عملية عسكرية مشتركة ناجحة من دون أن يكون وراءها موقف سياسي واحد أو متناسق على الأقل، لكن واقع الحال يثبت أن الدول العربية التي شاركت في القتال كانت غارقة في الخلاف والتنافس الذي أثر في إدارة الجيوش المحاربة في ميدان المعركة، في مقابل الحركة الصهيونية التي تمتلك قيادة تجيد توزيع الأعمال بين السياسيين والعسكريين وقادة العصابات والسفاحين أمثال مناحيم بيغين، الذي منح جائزة نوبل للسلام مناصفة مع أنور السادات!
رابعاً: لم يهدد الخطر الصهيوني فلسطين وحدها كما كان يتوهم البعض، بل كان تهديداً للعالم العربي والإسلامي، لأنه بحكم طبيعته كقاعدة متقدمة للغرب في قلب العالم العربي فإن مهماته تتجاوز فلسطين وشعبها لتشمل تكليفها بمهمات في ضرب قوى التحرر الوطني، والدول التي تسعى للاستقلال السياسي والاقتصادي في المنطقة، ومحاولة تحطيمها؛ ليس عن طريق القوة العسكرية وحسب، بل عن طريق تفكيكها وتفتيتها بإشاعة الصراعات العرقية والدينية والمذهبية والقبلية وغيرها، وهي لعبة لعبتها ((إسرائيل)) وما زالت تلعبها منذ إنشائها حتى اليوم.
لذلك فإن أشد ما يقلق الغرب وربيبته ((إسرائيل)) هو التماسك الداخلي للشعوب العربية، والوحدة أو التنسيق السياسي بين أقطارها، والتعاون بينها وبين العالم الإسلامي، فذلك هو المدخل الضروري لاستعادة الحقوق العربية في الذكرى الستين للنكبة.

Author

القدس

القضية الفلسطينية

الكيان الاسرائيلي

فلسطين المحتلة

يوم القدس العالمي


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.