“مفصل” عدوان السعودية على اليمن

16 يونيو 2015

“مفصل” عدوان السعودية على اليمن

التدخل العسکري السعودي في اليمن: بحث عن الأمن أو الاعتبار؟

إن تدخل السعودية العسکري ومتحديها العرب في اليمن قد أسفر عن تفاقم الأزمة في هذا البلد وجعلها أکثر تعقيدا مستجلبا إياها الی مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن الماضي.

وبينما کانت الحکومة السعودية معروفة باتخاذ سياسة خارجية رصينة ومتحفظة خلال العقود المنصرمة، إلا أن هجومها العسکري علی اليمن في ضوء ولاية حکام شباب، بمن فيهم محمد بن سلمان، وزير الدفاع وابن العاهل السعودي قد أثار موجا من التساؤلات والتحليلات بهذا الخصوص.

وبغض النظر عن أشکال التدخل السعودي العسکري في اليمن ومساره ونتائجه المحتملة وفي سياق معرفة أفضل لتصرفات سياسة السعودية الخارجية، فإن التساؤل عن دواعي هذا التدخل قد يکون مهما وجديرا للبحث والمعالجة.

وقد حاولت غالبية القادة والمحللون المنتمون الی الحکومة السعودية خلال الأسابيع الماضية تفسير الهجوم السعودي العسکري علی اليمن کردّ علی التهديدات الأمنية الجدية والطارئة المنبعثة من جهة الجارة الجنوبية لهذا البلد، لتتمکن من التوصل الی الدعائم اللازمة تبرر بها هذا التدخل في نطاق إقليمي ودولي.

ولکن الظروف الداخلية والکفاءة العسکرية للحکومة السعودية والقابليات والتصرفات المتخذة عند اللاعبين في داخل اليمن قد تؤول الأمر الی تحقيق نتائج أخری. وفي هذا السياق، نريد الآن طرح هذا الاستدلال بأن هجوم السعوديين العسکري علی اليمن، قبل أن يکون ناجما عن الاضطرابات الأمنية الطارئة، ليس الا محاولة من قبل قادة هذا البلد لرفع مستوی اعتباره الوطني في نطاق إقليمي ودولي؛ محاولة تکون منبعثة من تصورات قادة شباب، منهم محمد بن نايف، علی الرغم من المسار السعودي التاريخي المتحفظ وبغض النظر عن الحقائق اليمنية المعقدة والظروف المتعلقة بموازنة القدرة الإقليمية.

إن الذريعة الأکثر أهمية، التي تشبث بها السعوديون لتبرير اعتدائهم العسکري علی اليمن هي سيطرة الحوثيين علی هذا البلد بتخطيط من إيران والتهديد الذي يتعرض له أمن الحکومة السعودية والمنطقة وباب المندب من هذه الجهة. فهناک بعض النقاط يجب ذکرها بهذا الخصوص.

النقطة الأولی هي أن الأزمة اليمنية الراهنة، وقبل أن تکون ناجمة عن تصرفات الحوثيين، تکون حصيلة الفشل في سياسات العقود الأخيرة في هذا البلد، بما في ذلک الانهيار الاقتصادي والاستياء السياسي والاجتماعي وتفاقم الاختلافات والنزاعات اليمنية الداخلية؛ الظروف التي کانت ولاتزال متأثرة من الاتجاهات المتخذة من قبل البلدان العربية، بما فيها المملکة العربية السعودية، أکثر من أن تکون متأثرة من الدور الذي تلعبه مختلف البلدان منها إيران.

خاصة وان الاحتجاجات والثورة الشعبية اليمنية في عام 2011 لم تسفر عن تغييرات متجسدة وملموسة.

هذا وقبل أن تکون مبادرة مجلس تعاون الخليج الفارسي استجابة لمطالب اليمنيين، کانت مبادرة لکبح نواياهم الحقيقية. النقطة الثانية هي أن الحوثيين وأنصار الله، بالرغم من بعض علاقاتهم الإيجابية مع إيران، يشکلون تيارا اجتماعيا وسياسيا واسعا ذا اتجاه ومسار شعبي ووطني وثوري في اليمن تمکّن من إحراز تفوق ملحوظ في المعادلات اليمنية الداخلية ومسايرة ملحوظة من قبل الجيش اليمني بعد فشل المسارات السياسية والأمنية السابقة.

النقطة الثالثة، وبعد أن افترضنا أن الجهات العربية قبلت المسار الحقيقي لحيازة القدرة علی يد الحوثيين، کان عليها أن تعترف بهذه الحقيقية وتحاول للتوصل الی تفاهم سياسي مع هذا اللاعب المهم، لکنها خططت في إضعاف جدي لأنصار الله في سياق أي مسار سياسي أو عسکري، الموضوع الذي أسفر عن تفاقم متزايد للأزمة.

ان الموضوع المهم والأخير هو المبالغة الدعائية والبعيدة عن الواقع في مجال التداعيات الأمنية التي سوف تشهدها البلاد والمنطقة فيما لو حاز الحوثيين علی القدرة في اليمن.

بينما اتخذ الحوثيون والجيش اليمني ضبط النفس وعدم انتشار الحرب أولوية لهم حتی بعد التدخل السعودي العسکري.

وإن تصورت السعودية أن هذه الجماعة بإمکانها أن تعرض مثل ذلک البلد المتزود بقدرة عسکرية ملحوظة لتهديدات أمنية جدية، فقد بعدت عن الحقيقة الموجودة علی أرض الواقع.

کما تکون إرادة أو قابلية الحوثيين لتهديد مضيق باب المندب بعيدة تماما عن الحقيقة والواقع، إذ ان إرادة أو قابلية الحوثيين علی تهديد هذه القناة لا تحظی بشيء من المنطق السليم في مثل هذه الظروف والمنطقة التي تتواجد فيها القوی البحرية الکبری والتي التأم فيها أمن الملاحة مع الاقتصاد العالمي.

وبالنظر الی المکونات السابقة، يبدو أن قرارات السعوديين للتدخل العسکري في اليمن، وقبل أن تکون متأثرة من الاضطرابات والمصالح الأمنية لهذا البلد، تعتبر إنجازا لإحياء وإعادة اعتبار الحکومة السعودية في الساحة الإقليمية والدولية.

وبينما تتابع مختلف الدول أهدافا لها، بما في ذلک الحفاظ علی السيادة الأرضية والأمن القومي والرفاهية الوطنية، فهي تسلط الضوء علی رفع اعتبارها الوطني ضمن أهداف سياستها الخارجية، والذي تتم متابعتها عبر مکونات متعددة، منها التنمية الاقتصادية أو العوامل المذهبية والثقافية أو رفع قابلياتها العسکرية.

لقد حاولت الحکومة السعودية الی حد الآن لرفع اعتبارها الوطنية معتمدة علی مکانتها الدينية، باعتبارها خادمة للحرمين الشريفين والاعتماد علی القدرة الاقتصادية المبنية علی تصديرات البترول، ولکن يبدو الآن أنها تسعی جاهدة لاستغلال قدرتها العسکرية في هذا السياق بشکل متجسد وفعال.

وفي تعبير آخر، تری الهيئة القيادية الجديدة في السعودية أن التشبث بالطرق والاتجاهات التقليدية لم يعد مفيدا، والذي قد أسفر عن إضعاف الاعتبار الوطني لهذه الحکومة وخفض مستوی مکانتها ودورها في المنطقة، الأمر الذي يتطلب توظيف الأسلحة والحلول العسکرية التي کلفتها مئات مليارات دولار.

وقد ساعد استعراض القدرة العسکرية علی رفع الاعتبار السعودي الإقليمي.

هذا ويعود انتقاء اليمن کهدف لتوظيف هذه القدرة الی أن السعوديين کانوا يرون أن هذا الخيار سيواجه معارضة إقليمية ودولية قليلة ومقاومة غير ملحوظة مستدعيا تکاليف عسکرية أقل بالنسبة للخيارات المحتملة المشابهة له.

ولکن نتائج تشبث السعوديين بالخيار العسکري في اليمن لرفع الاعتبار الإقليمي لهذا البلد لم تعد واضحة.

وبينما يمضي زهاء عشرين يوما من تدخل السعوديين العسکري ومتحديهم في اليمن، يستبعد احتمال تغيير الموازنة الأمنية والسياسية داخل اليمن يوميا إثر الغارات الجوية.

هذا وسوف تصحب التدخل العسکري البري صعوبات کثيرة قد تسفر عن نتائج معکوسة في حين تواجه الحکومة السعودية کل يوم ضغوطا متزايدة في الساحة السياسية وحقوق الإنسان.

في هذا السياق، وبينما يتضاءل احتمال نجاح السعوديين في تحقيق أهدافهم في اليمن إثر اعتدائهم العسکري، فإن التأثيرات السلبية الناجمة عن الإجراء العسکري السعودي علی الاعتبار الإقليمي لهذا البلد تزداد قوة.

فضلا عن ذلک، ان النقطة المهمة الأخری هي أن تفاقم الأزمة في اليمن من جراء هذا العمل العسکري، قد يزيد نسبة المجازفات الأمنية لهذه الأزمة للسعوديين في أمد طويل مثيرا في هذه المرة تهديدات أمنية متجسدة وواسعة النطاق ضد القادة السعوديين.

 

Author

الحوثيين

السعودية

العدوان

اليمن

انصار الله


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.