مصر ليست “تابع”.. ولن ننساق وراء “فوضويتهم”

17 يناير 2016

 

بقلم الكاتب: محمّد رفعت

لا يمكن أن يتصور عقلي أن تتحول مصر لتابع لدولة أخرى، أيا كانت تلك الدولة، هكذا خُلقت وهكذا عشت ونشأت في هذا البلد الذي تعلمت على أرضه الكرامة، والعزة والشرف، ذلك البلد الوسطي الذي لم يقتتل شعبه يوما على دين أو مذهب أو فرقه، فلا يمكن أن تنساق وراء فوضاوية دولة أو حلف ناشيء يريد إشعال المنطقة بشعارات لم نعهدها من قبل كالفتن الطائفية والخلافات المذهبية، لنتقاتل نحن المسلمون أصحاب الدين الواحد، ونترك اليهود الصهاينة يعيثون في أرضنا ويفعلون بها ما يشاؤون.

8a

وقد تحدثت عدة تقارير دولية سرية تم تسريبها عبر بعض وسائل الإعلام الغربية مؤخرًا، عن المستجدات الحادثة في العلاقة بين المثلث “السعودي – التركي – الإسرائيلي”، والذين تلاقت مصالحهم على حساب شعوب المنطقة، ساعين لتفتيت المنطقة، ولكل منهم حساباته الخاصة، فالدولة الوهابية تسعى للوقوف في وجه إيران، في حين يسعى الأتراك لاستعادة مجدهم في المنطقة من خلال أحلام “الخلافة”، التي يمني أردوغان نفسه بها، في حين تأتي مصلحة “بني صهيون”، في اشتعال المنطقة وانهماك الشعوب والحكومات العربية والإسلامية بالاقتتال الداخلي، والذي ينهك قوة الجميع، وتصبح الأراضي العربية كلها لقمة سائغة لهم.

وفجأة ودون مقدمات وجدنا أنفسنا في منطقة ملتهبة، تقودها السعودية إلى حالة من الانقسام المرعب بين سنة وشيعة، في خلاف طائفي بغيض، لا نعلم إلى أين يذهب بنا وبشعوب المنطقة، وسط إصرار من الدولة الوهابية، على العداء الصريح لإيران، وجر باقي الدول السنية خلفها في صف العداء، الذي لا يربح منه أحد، بل تخرج الأمة كلها خاسرة، ويربح الصهاينة الذين يريدون تدمير الأمة كلها طالما أنهم بعيد عن الاشتباكات وفي آمان من نيران العرب.

وقد تأسست المملكة السعودية على الوهابية المتشددة، والتي تتعارض مع الوسطية الدينية التي تتمتع بها مصر، فذلك النهج الذي ابتدعه “محمد ابن عبدالوهاب”، يعادي كل ما هو وسطي، حتى المختلفين معه من أهل السنة لا يسلمون من تكفير الوهابية، وقد نشأت الجماعات الإرهابية من القاعدة حتى داعش من رحم ذلك الفكر المتطرف، والذي سقط بسببه آلاف القتلى من المسلمين في الحجاز وحدها، عندما سعى ابن عبد الوهاب لنشر فكره المتطرف بالقوة، وها هي الجماعات الإرهابية التي تشعل المنطقة، تتحدث بلسان ابن عبد الوهاب، الذي أضر الأمة كلها، أكثر من الأعداء.

وقد نتج عن السياسات الغير مدروسة من جانب السعودية، انتشار الخراب والدمار في العراق وسوريا واليمن، بحجة مواجهة ما تسميه بالمد الشيعي، بالإضافة لمسئولية الرياض عن تأخير انتخاب رئيس جديد للبنان حتى يومنا هذا، لحسابات ومصالح خاصة لها في لبنان، بالإضافة لدورها في إسقاط النظام الليبي ومقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، الأمر الذي أدى لتدمير ليبيا ووقوعها فريسة في يد الجماعات الإرهابية، وباتت حلقة جديدة من حلقات الخطر الذي يهدد الأمة العربية بل والمنطقة كلها.

إن التحالف الثلاثي الذي تسعى السعودية لتكوينه للوقوف في وجه إيران، والذي يضم الكيان الصهيوني، يدور الحديث عنه داخل إسرائيل وكأنه أمر عادي، وتتناوله صحفهم العبرية كما تتناول الشئون اليومية، وقد أكد ذلك تسريب عدد من اللقاءات السرية بين مسئولين بوزارة الدفاع السعودية ومسئولين إسرائيليين، بالإضافة إلى اللقاءات المعلنة بين الأتراك والصهاينة، والتي تمت خلال الأسابيع القليلة الماضية، في تقارب يثير قلق الكثير من الدول العربية، خاصة مصر التي تعادي إسرائيل، بالإضافة لسوء علاقتها بالنظام الحاكم في تركيا، بسبب وقوف الجانب التركي بقيادة أردوغان، ودعمه لجماعة الإخوان الإرهابية، وأي تحالف بهذا الشكل لا يمكن أن يكون فيه خير لمصر وشعبها.

وقد أثبتت التجربة أن النظام المصري كاره للحروب، والتي يرى أنها تدمر الاستقرار، ولا يدفع فاتورتها سوى الشعوب، ما يعني أن القاهرة لديها وعي ورؤية تختلف عن رؤية النظامين الحاكمين في السعودية وتركيا، فمصر تسعى لترسيخ مبادئ الوفاق والحوار لإنهاء القضايا العالقة في المنطقة، وقد أعلنت ذلك في مواقف كثيرة، بل ودعت إلى الحوار بين الفرقاء في سوريا واليمن وفي ليبيا أيضًا، لإخماد نيران الحروب المشتعلة في المنطقة، فيا ليت قومي يسمعون أو يعقلون. ويا ليتهم يعلمون أن السعودية تخوض معركة على أكثر من محور في مواجهة أنظمة متعددة، والتحالف معها في تلك المعارك تعني المشاركة في هذه الجبهة المشتعلة، ما يعني التأثر المؤكد بنيرانها، حيث أن كل من يقوم بخطوة كهذه سيعرض شعبه للخطر في معركة ليست معركته من الاصل، وهي معركة مجانبة، فالرياض لن تدفع لحلفائها مجددًا ، وستكتفي بما قدمته من عطايا وهبات لمن شاركوا في تحالفاتها، خاصة بعدما تكبدت خزائنها الكثير من الخسائر بسبب كلفة الحرب التي تخوضها على أكثر من اتجاه في وقت واحد، الأمر الذي بدأ يشعر به الشعب السعودي نفسه.

Author

السعودية

مصر


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.