“فوق الموت عصّة قبر”.. هذا هو حال كفريا والفوعة!

29 أغسطس 2016

أربع سنوات تدَرَّج خلالها الحصار في مراحل المعاناة على سكان البلدتين القابعتين في الزاوية الشمالية الشرقية لمدينة إدلب، على مقربة من الحدود السورية التركية، حيث تشكل تلك المنطقة جزيرة صمود وسط بحر هائج من التكفيريين، تكفيريين أتوا وجلبوا معهم الخراب والموت.

4

 

الفوعة هي قرية سورية تتبع ناحية بنش في منطقة مركز إدلب يبلغ عدد سكانها 10,264 نسمة، أما كفريا، هي بلدة تتبع إدارياً لمحافظة إدلب وتقع شمالها بثمانية كيلومترات، تجاورها قرى معرة مصرين إلى الشمال الغربي والفوعة من الشرق ورام حمدان من الشمال. تحاصر هاتين البلدتين مجموعات مسلحة أبرزها “جيش الفتح”، “جبهة النصرة”، “أحرار الشام”، “جند الأقصى” في بنّش، الصواغية، وتل الخربة المحيطين للبلدتين.

في 28 آذار2015 وبعد أربعة أيام من القتال، تمكنت المجموعات المسلحة من محاصرة البلدتين، حيث حوصر الآلاف من المدنيين من ذلك الحين، وفي 2 آب 2015 أعلن “جيش الفتح” استمرار عملياته ضد بلدتي كفريا والفوعة. في 18 أيلول 2015 شنت المجموعات المسلحة هجوماً جديداً على البلدتين بإطلاقها ما يقارب 400 صاروخ وقذيفة كما رافق الهجوم تفجير 9 عربات مفخخة -بينهم 7 فجروا أنفسهم- قرب نقاط للجيش. في 19 أيلول 2015 تقدمت الفصائل مرة أخرى في محيط وأطراف الفوعة، وسيطرت على تل الخربة وعدد من نقاط التفتيش القريبة منها، تلاها في 20 أيلول 2015 اتفاق ثاني لوقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الزبداني-مضايا، والفوعة-كفريا، حيث سمحت الفصائل بإدخال مساعدات إنسانية إلى المدنيين المحاصرين في البلدتين.

منذ ذلك الحين حتى اليوم، وبشكل يومي، تتساقط القذائف المتفجرة والصواريخ على البلدتين، ما يجبر الأهالي على المكوث في البيوت خشية الموت وترك الأطفال ورائهم بلا معيل، فوق هذا كله، لا إمكانية أيضاً لدى الأطفال هناك من ممارسة أي حق لهم، فلا يمكنهم إلا المكوث تحت مراقبة الأهالي، فهم سجناء في تلك الأبنية ومن غير الممكن الخروج إلا ما ندر وللحاجة الضرورية جداً، وفي حال خرجوا بات أغلبهم يمشي حفاة لعدم التمكن من إدخال أي شيء من مواد وألبسة.

وفي حال وصول أيٌّ من المواد الغذائية عن طريق ثغرات يختلقها التجار، نرى ارتفاع جائر في أسعارها في حين لا يملكون ما يضعونه في جيوبهم سوى الخيبة والقهر ولوعة الحرمان، ولم تتوقف معاناة التجويع عند هذا الحد، فمسلحي “جبهة النصرة” عمدوا إلى قنص المواشي كي لا يستفيد منها أهالي البلدتان.

ولا تقف الأمور عند الحصار الجغرافي، فالتواصل في البلدتين شبه معدوم بسبب ضعف شبكات الاتصال، حيث قام التكفيريون باستهداف أبراج الهاتف، وإن حاول السكان الخروج إلى مكان مرتفع من أجل الحصول على اتصال ولو كان رديئاً، فإنهم يتعرضون للقنص مباشرة.

أما الحالة الصحية لأهالي البلدتين، فحدث ولا حرج، فالدواء بات من المستعصيات على منال من يحتاجه، فعلاوة على الأمراض المزمنة من ضغط الدم والسكري، يتفشى الآن عدد كبير من حالات التهاب الكبد، وعدد أكبر من حالات التهاب الأمعاء التي تؤدي بدورها إلى مراحل متقدمة من المرض تليه الوفاة جراء العجز عن تقديم أي نوع من العلاج، فحتى المسكنات باتت مفقودة داخل أسوار الحصار.

أما الطفولة داخل البلدتين، فأصبحت من “المنسيات”، إذ اختفت ملامح الطفولة البريئة على وجوه الأطفال، لتحل محلها ملامح التعب والقهر. مزيج من البكاء و الحرقة والألم ترتسم على وجه الطفلة البريئة لجين التي تبكي أختها الطفلة ريتال التي استشهدت، واختها الثانية الطفلة سدل التي أصيبت جراء سقوط قذيفة على بيتهم في بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين.

في الفترة الأخيرة، ومع وصول الحصار إلى أقصى مراحله، منذ حوالي عام ونصف العام مرا على الأهالي المتبقين هناك، دخلت البلدتان حالة أشبه ما تكون ببداية الانقراض أو الإبادة الجماعية البطيئة، تمارسها مجموعات مسلحة مختلفة الجنسيات ، فلا إمكانية متوفرة للحصول على الطعام أو الماء الصالح للشرب أو أيّ من مقومات الحياة الأساسية الأخرى، فالدواء أصبح حلماً يراود محتاجيه كما حال الخبز تماماً، ولو أراد الأهالي أن يشربوا الماء لوجدوا إكراها في ابتلاع ما يتوفر في هذا الماء من عوالق، وأمراض.

لكن الغريب في الأمر، أو المعتاد عليه بعد حصار عام ونصف، هو صمت المجتمع الدولي أمام مثل هذه الحادثة الإنسانية وعدم تدخله لإيجاد ولو حل بسيط يتجاوز تبادل الجرحى والأسرى مع مسلحي الزبداني ومضايا، أو أن المجتمع الدول يرى أن هذه القضية بسيطة ولا ضرورة لوضع ثقله فيها، فهي ليست فرنسا أو ألمانيا ليندد ويستنكر ويقف دقيقة صمت من أجلها.

Author

ادلب

الأزمة السورية

الفوعة وكفريا

سوريا


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.