رغم ان شيعة افغانستان يمثلون 35 بالمائة من الشعب الافغاني ، ورغم صفحتهم الوطنية البيضاء ، ورغم احترامهم للاخر الذي يعيش معهم في الوطن ، ورغم طبيعتهم المسالمة ، الا انهم تعرضوا ومازالوا لمختلف صنوف الظلم والاضطهاد والتمييز من قبل الحكومات المتعاقبة والجماعات التكفيرية بدء من القاعدة ومرورا بطالب وانتهاء ب”داعش”.
حتى نسبة الشيعة في افغانستان ، تتعرض للظلم ايضا من قبل السلطات والحكومات المتوالية ، فهي حاولت وتحاول التقليل من هذه النسبة ، واظهار الشيعة على انهم لا يتجاوزون ال20 بالمائة ، فيما الجهات المحسوبة على الجماعات التكفيرية فتخفض هذه النسبة الى 10 بالمائة ، رغم الانتشار الواسع للشيعة في مناطق وسط وشمال افغانستان وفي العاصمة كابول.
شيعة افغانستان ، الذي يشكل إتنية ”الهزاره” الطيف الأكبر منهم، هم ايضا من اكثر شيعة العالم اضطهادا وتمييزا على الاطلاق ، ولا يمكن مقارنة ما يتعرضون لهم من ظلم وقتل وتشريد ، حتى مع شيعة نيجيريا ، فشيعة افغانستان ، يتعرضون لظلم ممنهج لم ينقطع على مدى عقود طويلة ، دون ان تحرك المآسي التي يتعرضون لها مثل التفجيرات والاغتيالات والخطف وقطع الرؤوس، خلال العهدين الطالباني (1996-2001) ، و”الداعشي” ، لا ضمير السلطات الافغانية ولا الضمير الانساني.
المناطق التي يقطنها الشيعة في افغانستان مثل باميان ووردك ، تعتبر من اكثر مناطق افغانستان فقرا وحرمانا ، حيث تنعدم فيها ادنى مقومات الحياة في حدودها الدنيا، فلم تشهد مناطقهم اي مشروع تنموي منذ نحو عقدين من الزمن ، وهو ما اثار حفيظة الشيعة الذين اتهموا السلطات المتعاقبة بممارسة سياسة التمييز ضدهم وبشكل صارخ.
الاجراء الذي اتخذته السلطات الافغانية واثار ردود فعل واسعة بين شيعة افغانستان ، والذي كشف عن وجود ارادة سياسية للابقاء على مناطق الشيعة محرومة ومتخلفة ، تمثل بتغيير مسار مشروع خط نقل الكهرباء من تركمنستان الى افغانستان ، من باميان الى ممر سالانج ، رغم ان الكهرباء متوفرة في الاخيرة ومعدومة في الاولى.
هذا الاجراء التعسفي والظالم ، هو الذي دفع الشيعة لتنظيم احتجاجات واسعة في العاصمة كابول لاستعادة حقهم ، وزاد من اصرارهم على مواصلة الاحتجاجات ، التبريرات الاستفزازية للحكومة بشان اسباب تغيير مسار خط الكهرباء ، مثل تقليص الكلفة وتقليص الزمن.
آخر هذه الاحتجاجات التي نظمها الشيعة وشارك فيها مئات الالاف منهم ، هي تلك التي جرت يوم السبت 23 تموز / يوليو في العاصمة كابول حيث تجمع المتظاهرون فى ساحة مزار غرب العاصمة لبدء المسيرة الاحتجاجية ، التي شارك فيها النساء والاطفال والشباب وكبار السن ، وتم التأكيد على المتظاهرين من قبل الجهات المنظمة للمسيرة ، بالمحافظة على نظافة الشوارع ، ولكن الى جانب الظلم والتمييز ، كان هناك خطر آخر يتربص بالمتظاهرين الامنيين ، وهو خطر التكفير ، الذي لبس هذه الايام في افغانستان كما في غيرها لبوس “داعش” ، حيث فجر تكفيريان ارهابيان نفسيهما وسط المتظاهرين المسالمين فاستشهد 61 شخصا واصيب 207 اخرين ، واصطبغت شوارع كابول ، التي حرص المتظاهرون على نظافتها ، بدمائهم ، وتناثرت عليها اشلاءهم.
هؤلاء المتظاهرون المسالمون الذين تمزقت اشلاءهم وزهقت ارواحهم وبترت اطرافهم ، لم يطالبوا بالمستحيل ، بل طالبوا بحقهم الذي انكرته عليهم حكومتهم ، وهو حق التمتع كباقي البشر بنعمة الكهرباء ، فهل يستحق ذلك ان يأتي مئات الالاف من مختلف انحاء افغانستان ليجتمعوا في العاصمة ، والحكومة تعرف قبل غيرها انها اعجز من ان توفر الامن لمثل هذا العدد الكبير من المتظاهرين؟ ، يبدو ان هناك من في الحكومة قد لا يحزن كثيرا على الشيعة ، لانهم تلقوا ضربة قد تمنعهم من العودة الى التظاهر مرة اخرى ، بعد ان فشلت الحكومة بمنعهم.
لم تمر سوى ساعات قليلة وتبنت “داعش” التفجيرين الجبانين ، ترى اليس من حق الشيعة ان يشككوا بعد ذلك بنوايا السلطات ازاءهم ، وهم يجدون انفسهم بين مطرقة التمييز وسندان التكفير؟، الم يكن من الافضل للحكومة ان تراجع سياستها ازاء الشيعة وان تكف اذى بعض المحسوبين عليها ، عن الشيعة ، كما بدا واضحا من القرار الخبيث في تغيير مسار خط الكهرباء ، وهو قرار كان من البديهي ان تستتبعه احتجاجات شعبية واسعة ، والتي ستكون بدورها هدفا سهلا لوحوش التكفير المنتشرة في افغانستان؟ ، فهل كُتب على الشيعة ان يكونوا ضحايا لسبب ما في كل بلد ، وفي افغانستان بسبب الكهرباء ؟، وهل يُعقل ان يُقتل ويُجرح اكثر من 300 انسان لمجرد انهم ارادوا ان تضيء مصابيح الكهرباء غرفهم المعتمة؟.