روسيا تريد العودة الى افغانستان

7 مارس 2015

روسيا تريد العودة الى افغانستان

تقرير وكالة أنباء الشرق الأوسط أفغانستان

 

لا يرفّ جفن لروسيا في ظلّ تواصل إنتاج المخدرات وتصديرها في أفغانستان، وتنامي المخاوف من الإرهاب، وتعلم القيادة الروسية، الطامحة إلى احتلال مكانة اقتصادية أرفع في العالم، أن أفغانستان معبر إلزامي للوصول إلى باكستان والهند، البلدين المهمين لروسيا لناحية مدّهما بالغاز. وصورة أفغانستان الدموية، لا تزال حاضرة في موسكو من خلال جرحى حرب اجتياح قوات الجيش الأحمر كابول (1979 ـ 1989). وقتها غرق الاتحاد السوفييتي في المستنقع الأفغاني، وفقد عدداً كبيراً من المقاتلين والعتاد، وخسر هيبته مقابل لا شيء كما اتضح لاحقاً.

بعد الخروج من أفغانستان، انهار النظام الذي أرساه الاتحاد السوفييتي، الذي انهار بدوره بعد فترة قليلة، إلا أن الكرملين يدفع حالياً إلى إعادة الاعتبار للقرار السوفييتي، وربما من خلال ذلك إعادة الاعتبار للضحايا، كي لا يُقال “إنهم قضوا من أجل لا شيء أو بسبب قرار خاطئ”.

ويزداد الاهتمام الروسي حالياً بأفغانستان، لاعتبار موسكو أن هناك خطراً جدياً على روسيا، يتمثل بإمكانية انتقال متشددين من أفغانستان إلى بلدان آسيا الوسطى، ومن هناك إلى مناطق الفولغا وشمال القوقاز الروسية. كما أن جميع البلدان المتاخمة لأفغانستان، تشكّل معبراً لنقل الأفيون والهيرويين إلى مختلف أنحاء العالم، خصوصاً أن الاتجار بالمخدرات يُعدّ اليوم من أهم مصادر تمويل المسلحين.

ويضرّ انتقال الهيرويين الأفغاني بحوالي 100 دولة، فوفقاً لـ “إدارة مكافحة المخدرات” في روسيا الاتحادية، يعمل على أراضي أفغانستان، اليوم، حوالي 50 مختبراً لمعالجة الهيرويين، تبلغ طاقتها الإنتاجية مجتمعة حوالي 30 كيلوغراماً في اليوم.

 

وفي السياق، أفاد موقع “إنتربوليت.رو”، نقلاً عن مدير “معهد الشرق الأوسط وآسيا الوسطى”، سيميون باغداساروف، بأن “أفغانستان تشكّل تهديداً لروسيا من وجهة نظر الاتجار بالمخدرات. فحوالي 50 في المائة من المخدرات المتداولة في روسيا تُنتج في أفغانستان. وبسبب ذلك يموت سنوياً حوالي 60 ألف إنسان”.

ويعتبر باغداساروف أن “الإرهاب يُشكّل تهديداً لنا، وللأسف علينا الاعتراف بأنّ هناك اليوم على أراضي روسيا، ممثلين لجميع المجموعات الإرهابية في آسيا الوسطى، الذين يتعاملون بشكل لصيق مع المنظمات الإرهابية في أفغانستان “.

وتجلّى الاهتمام الرسمي الروسي بأفغانستان، في 15 فبراير/شباط الماضي، حين نقل موقع “كرملين.رو” عن الرئيس فلاديمير بوتين، قوله أثناء لقائه مع ممثلي روابط المحاربين القدماء، بمناسبة الذكرى الـ26 على خروج الجيش السوفييتي من أفغانستان “الآن، مع مرور السنين، واتضاح مزيد من الوقائع، نفهم أكثر فأكثر الدافع والسبب لدخول القوات السوفييتية إلى أفغانستان. بالطبع، كان هناك أخطاء كثيرة، لكنه كانت هناك تهديدات حقيقية. والقيادة السوفييتية في ذلك الوقت حاولت محاصرتها عن طريق إدخال القوات إلى أفغانستان”.

وشكّل تصريح بوتين بمثابة اعتراف علني للمرة الأولى من السلطة الروسية، بأن الحرب الأفغانية لم تكن “مغامرة وجنوناً”. وأكد الرئيس الروسي بذلك أن القرار بإدخال القوات السوفييتية إلى أفغانستان، الذي تم اتخاذه في 12 ديسمبر/كانون الأول 1979، أثناء اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، وصيغ كقرار سري، كان صائباً، وكان الهدف الرسمي منه آنذاك الحيلولة دون التدخل العسكري الأجنبي، ودرء مخاطره على الاتحاد السوفييتي.

ويناقض موقف بوتين، قراراً آخر اتُخذ بعد خروج القوات السوفييتية بعشرة أشهر في مؤتمر نواب الشعب في الاتحاد السوفييتي آنذاك، الذي اعتبر أن “قرار إدخال القوات السوفييتية إلى أفغانستان يقتضي إدانة سياسية وأخلاقية”. وانطلاقاً من ذلك، وُصفت الحرب الأفغانية في البداية كـ “حرب خاطئة”، ثم كـ “حرب مجرمة” لاحقاً.

ولا يغيب الدور الأميركي عن مجريات الاهتمام الروسي بأفغانستان، إذ يبدو وكأن الولايات المتحدة تراهن من جديد على جرّ روسيا عسكرياً إلى مناطق زلقة، بما فيها أفغانستان. فهل يمكن أن يقع الكرملين في الحفرة نفسها مرتين؟ في هذا الصدد حذّر مراقبون روس من خطأ قد ترتكبه القيادة الحالية، خصوصاً أنه تمّ التوقف عند دلالات تخصيص وزير الدفاع الأميركي الجديد، آشتون كارتر، زيارته الأولى، بصفته وزيراً للدفاع، إلى أفغانستان، حيث لا يزال حوالي عشرة آلاف جندي أميركي يرابطون هناك، وسط تساؤلات روسية عن دور الجنود الأميركيين في تجارة المخدرات وحمايتها.

وفي موازاة ذلك، يبرز إلى الواجهة، إعلان قائد القوات البرية الأميركية في أوروبا، الجنرال بن هودجز، أنّ “روسيا ستكون قادرة خلال أربع أو خمس سنوات، على القيام بعمليات حربية على ثلاث جبهات”. وبناءً عليه، اعتبر المراقبون الروس أن “ذلك لا يراد منه تأكيد نمو القدرة العسكرية الروسية، إنما يعبّر عن نية أميركية بإشغال روسيا على ثلاث جبهات من حدودها، وربما تكون جبهة أفغانستان إحداها”.

إلا أن روسيا لا تستطيع، فعلياً، مواجهة التهديدات المتأتية من جهة أفغانستان، إلا مع شركائها في “الاتحاد الأوراسي” وفي “منظمة شنغهاي”، بتنسيق متعدد المهام، بما في ذلك التنسيق الأمني والعسكري. أما التفكير بتطوير أفغانستان اقتصادياً، نظراً لحاجة روسيا وشركائها إليها كمعبر آمن ومستقر لمصادر الطاقة والسلع إلى باكستان والهند، فيحتاج إلى خطط بعيدة المدى وباهظة الكلفة، يصعب الحديث عنها في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعانيها روسيا.

مع العلم أن تجفيف مصادر الإرهاب في آسيا الوسطى، المتاخمة لروسيا، يحتاج أيضاً إلى تنمية اقتصادية، قد تكون أكثر إلحاحاً مما في أفغانستان. لذلك يبدو ما ينتهي إليه الخبير في مركز “دراسة أفغانستان المعاصر”، ديمتري فيرخوتوروف، صحيحاً بالمعنى الاستراتيجي، مع صعوبة تنفيذه عملياً.

ويقول فيرخوتوروف في إطار الدعوة لعودة روسيا اقتصادياً إلى أفغانستان، إن “أفغانستان بحاجة الآن إلى مساعدة لتطوير اقتصادها، وهي عملياً شريك تاريخي افتراضي لنا، وتطويرها اقتصادياً مربح لنا. وعبر هذا البلد يمر الطريق الأقصر إلى باكستان والهند، السوقين الكبيرتين لتصريف السلع. وفي أفغانستان كثير من الثروات الباطنية، ومكامن طاقة واعدة. وذلك كله يمكن استغلاله”. وفقاً لما نقله عنه موقع “إنتربوليت.رو”.

وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الجانب الأمني المتعلق بالإرهاب والمخدرات يقع على رأس أولويات روسيا اليوم. فيما إعادة الاعتبار لقرار دخول الجيش السوفييتي إلى أفغانستان، يلبي حاجة داخلية لإعادة الاعتبار للجيش الروسي، الذي قد يضطر إلى خوض حروب دامية قريبة وللمجتمع الروسي الذي لم ينس ضحاياه بعد بانتظار أن يضحي بغيرهم.

 

Author

أفغانستان

اسامة

اسيا

روسيا


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.