دلالات مقتل أختر منصور؟

11 يونيو 2016

 علي رضا صمدي

علي رضا صمدي

ولد الملا أختر منصور عام 1968 بإحدى القرى التابعة لمديرية ميوند بولاية قندهار جنوب أفغانستان لعائلة تنتمي لقبيلة “اسحاق زاي” البشتونية، درس العلوم الدينية في مدارس مدينة بيشاور الباكستانية وبدأ حياته السياسية عندما إنظم في شبابه لعضوية الحزب الإسلامي بزعامة “يونس خالص” وإنتهى به المطاف زعيماً لحركة طالبان أفغانستان، خلال الفترة بين شبابه ومقتله كزعيم للحركة شارك في الحرب ضد الإحتلال السوفياتي وتقلد عدة مناصب في الحركة أهمها رئاسة الخطوط الجوية الأفغانية “آريانا” وتوليه حقيبة وزارة النقل.

مع إنهيار حكومة طالبان إبان الإجتياح الغربي عام 2001 فر إلى باكستان ولعب دور هام في قيادة شورى كويته؛ تسلم قيادة طالبان بعد تسريب إعلان وفاة الملا عمر على الملأ يعاونه كل من هبة الله آخوندزاده “الزعيم الحالي للحركة” وسراج الدين حقاني؛ وأغتيل في 21 مايو/ أيار 2016 في منطقة حدودية داخل باكستان بضربة للطائرات المسيرة الأمريكية وبأمر مباشر من الرئيس أوباما لدى عودته من إيران بحسب الإدعاءات الإعلامية.

6

لقد كان الملا أختر منصور زعيماً لحركة طالبان مدة 3 أعوام، سنتين لم يعلم بها كثيرون إلا أن منذ قدومه وإلى لحظة إغتياله كان له صدى عالمي؛ لكن لماذا قتل منصور؟

بعد الهجمات الدموية في 11 سبتمبر/أيلول ذهبت الأمريكيين إلى أفغانستان لمعاقبة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن المتهم الأساسي في تنفيذ تلك الهجمات، ولكن أسامة كان قد هرب وأمريكا بحثت عنه حتى في كهوف تورا بورا وبعد ذلك لاحقته حتى داخل الأراضي الباكستانية، وفي 1 مايو/أيار 2011 تناقلات وسائل الإعلام العالمية نبأ مقتل بن لادن بعملية أمريكية على مجمع في مدينة أبوت آباد قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد ما شكل صدمة للعالم بأسره. لكن على عكسه فقد إستمر غياب زعيم حركة طالبان الملا عمر عن الأنظار ورغم الإيحاء بأنه ما زال على قيد الحياة لكن في 29 يوليو/ تموز 2015 وبخضم مباحثات السلام أكدت الحكومة الأفغانية تسريبات المسؤولين الباكستانيين التي أكدت أن الملا عمر توفق قبل عامين في باكستان؛ بعد أقل من 24 ساعة صادقت الحركة على نبأ وفاة الملا عمر وبعد 24 ساعة أعلنت إنتخاب الملا اختر منصور زعيماً جديدا لها.

حصاد أختر منصور

هجوم على مقر حاكم ولاية قندهار بتاريخ 9 يوليو/ تموز 2014
إعتداء دموي على ملعب لكرة الطائرة في ولاية بكتيكا بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2014
إطلاق نار على متظاهرين في ولاية خوست بتاريخ 2 أبريل/ نيسان 2014
هجوم إنتحاري على مبنى البرلمان الأفغاني بالعاصمة كابول بتاريخ 22 يونيو/ حزيران 2014
هجوم كبير على منطقة جلريز بولاية ميدان ورداك بتاريخ 2 يوليو/ تموز 2015
تفجير ضخم في منطقة شاه شهيد وأكاديمية الشرطة بكابول بتاريخ 7 أغسطس/ آب 2015
السيطرة لبضعة أيام على ولاية قندوز بتاريخ 28 سبتمبر/ أيلول 2015
إستهداف صحفيي محطة طلوع نيوز التلفزيونية بتاريخ 20 يناير/ كانون الثاني 2016
تفجير ضخم على رئاسة الأمن الخاصة بأمن الشخصيات الهامة في كابول بتاريخ 20 أبريل/ نيسان 2016

6ل

الإنشقاقات في صفوف الحركة؛

عارض الملا رسول ومؤيدوه قدوم اختر منصور على زعامة طالبان وأعلنوا إنشقاقهم من الحركة، كما وجه الملا منصور داد الله أحد القيادات البارزة إنتقادات شديدة اللهجة لطريقة إخفاء موت الملا عمر وإعلن رفضه الإنصياع لأختر منصور مؤكداً أن الإستخبارات الباكستانية “آي إس آي” نصبته أختر على زعامة الحركة؛ الأمر الذي أدى لإندلاع مواجهات ضارية بين المتنافسين داخل الحركة الواحدة.

 

دلالات مقتل أختر منصور

عملية السلام الوهمية في أفغانستان: خلال السنوات الماضية طرقت حكومة أفغانستان جميع الأبواب في سبيل تحقيق السلام، بذلت حكومة الوحدة الوطنية جهودا جبارة لتحقيق السلام واللجنة الرباعية للسلام المتشكلة من (أفغانستان وباكستان والولايات المتحدة والصين) أعلنت بعد الإجتماع الرابع عن قرب بدأ مباحثات السلام المباشرة مع طالبان؛ إن إنشاء اللجنة الرباعية وقدوم منصور كشخصية مسالمة على زعامة طالبان اُعتبار مصدرا للأمل بالوصول إلى السلام، لكن منصور أختار عدم المشاركة بشكل مباشر في مفاوضات السلام، واللجنة الرباعية كانت توافقت فيما بينها على إستهداف ومهاجمة الشخصيات الطالبانية التي ترفض مفاوضات السلام أي ما رفضه الباكستانيين قامت به الولايات المتحدة، لذلك قد يكون أحد أسباب إغتيال منصور رفضه الإنضمام لعملية السلام فالبنتاغون عرفته على أنه عقبة للسلام وحكومة كابول تحدثت مراراً عن رفضه للعملية برمتها؛ إن إغتيال منصور على أنه عقبة امام عملية السلام يمكن أن يرفع الغموض حول مصير عملية السلام الوهمية في أفغانستان.

التقارب مع روسيا وإيران: إن ما عرف بالإمارة الإسلامية إعتبر العدو المشترك وتهديداً داهماً ضد روسيا وإيران، إنهار بأموال الغرب وقد غاب لفترة قصيرة من معادلة القوة؛ روسيا وإيران على الرغم من كل الخلافات مع منظمة حلف شمال الأطلسي “الناتو” إلا أنهما ساعدا الحلف في مهمته بأفغانستان. والديبلوماسية الأفغانية على الرغم من الوجود المكثف للقوات الغربية في بلادها نجحت في الإبقاء على علاقات مستقلة مع روسيا وإيران. لكن وجود قواعد عسكرية أمريكية على المدى الطويل أمر غير مقبول بالنسبة لروسيا وإيران.  مع قدوم تنظيم داعش كقوة كبيرة وآخذة بالتوسع في منطقة الشرق الأوسط، ظهرت في أفغانستان أيضاً وشكلت تهديدات كبيراً على الأمن في إيران وروسيا، ما دفع روسيا على الأرجح لإقامة جسور تواصل مع طالبان الأمر الذي قابلته موسكو بالتأكيد أو الرفض عدة مرات؛ من جهة فإن الدلائل على دعم ايران لحركة طالبان وحكمتيار لا يزال قائما، كما إن فلسفة العلاقات القوية يمكن أن يؤكد العلاقة القريبة مع حركة طالبان من جانب روسيا وإيران. إذا كان أختر منصور أقام علاقات تواصل مع روسيا وإيران هذا الأمر يمكن أن تعتبره الولايات المتحدة خطرا كبيرا عليها؛ بناء عليه ربما أغتيل منصور يرجع إلى التوسع في العلاقات مع روسيا وإيران.

 

وسائل الإعلامي الباكستانية سربت معلومات مفادها أن أختر منصور كان يملك جواز سفر باكستاني بإسم “محمد ولي” عليه سمة دخول “فيزا” إيران، لكن لماذا كشفت باكستان عن هذه المعلومات؟
على أن الإدعاءات الباكستانية تضم قضايا أخرى قابلة للنقاش، فإذا كان جواز سفر أختر منصور بحوزته لحظة تعرضه لصاروخ من المنطي أنها كانت ستحترق كما إحترقت السيارة وتحولت إلى كومة ركام المتبقية، قد يكون منصور إمتلك عدة جوازات سفر وزار بإستخدام واحدة منها ربما تحتفظ وكالة الاستخبارات الباكستانية يمكّنها من إثبات زيارته إلى ايران. كما أن إغتيال أختر منصور على الأراضي الباكستانية تماماً كما تم تصفية زعيم القاعدة أسامة بن لادن فرض عزلة ووضعها من جديد تحت ضغط دولي، وهذا ما دفع ربما الدبلوماسيين الباكستانيين إلى تسريب النبأ من أجل خفض تلك الضغوط  والإيحاء أن باكستان ليست الدولة الوحيدة التي تدعم حركة طالبان في أفغانستان. لاننسى أن إيران فسحت المجال أمام الهند “المنافس الأزلي” للباكستانية بالوصول إلى بلدان آسيا الوسطى عبر الإتفاقية الثلاثية التي عرفت بإتفاقية تشابهار، خاصة أن منطقة آسيا الوسطى تعتبر مناطق نفوذ باكستانية أكثر منها هندية؛ وبالإضافة إلى المزايا الاقتصادية لإتفاقية تشابهار، قد تحد الهند من النفوذ الباكستاني في آسيا الوسطى وأفغانستان، مع دخول الإتفاقية حيز التنفيذ فإن باكستان ستفقد أدوات الضغط الحالية على أفغانستان. الزيارة الأخيرة للرئيس الأفغاني ورئيس الوزراء الهندي إلى طهران يمكن أن يؤكد الإدعاءات التي تسوقها باكستان.

الديبلوماسية الأفغانية: بذلت الحكومة الأفغانية مساعي جبارة تمكنت عبرها ضم الولايات المتحدة والصين وباكستان إلى عملية السلام بأفغانستان، ومن خلال مشاروات والمباحثات الرباعية إستطاعات الحصول على تعهد بإستهدافهم قادة حركة طالبان الذين يرفضون الإنضمام لعملية السلام. رفض أختر منصور الدخول في حوار مباشر جمد مباحثات السلام، وهذا ما دفع ربما المسؤولين الأفغان لإقناع الولايات المتحدة للعمل على إنجاح عملية السلام في سبيل وقف إنفاق الأموال الطائلة على مكافحة الإرهاب والتطرف وإزالة أختر منصور كعقبة ضد السلام. لكن من وجهة نظر الباكستانيين فإن إغتيال منصور يعقد الصراع ويضعف عملية السلام الأفغانية، لكن المسؤولين الأفغان والأمريكان لديهم وجهة نظر مخالفة للباكستانيين ويعبرون عن أملهم أن يسهم مقتله بغد مشرق للسلام.

إهتزاز العلاقات بين باكستان وأمريكا: باكستان كانت لأكثر من نصف قرن حليف الولايات المتحدة في جنوب آسيا ومنافسها الهند ربطها علاقات وثيقة مع الإتحاد السوفياني و روسيا الراهنة التي تعتبر حليف تقليدي لها في نفس المنطقة. مع إنتهاء الحرب الباردة تغيرت العلاقة كلياً، اليوم الديمقراطية الهندية تربطها علاقات واسعة مع الولايات المتحدة الأمريكية جنباً إل جنب مع الجيش الباكستاني التي تحتفظ بدرجة كبيرة. الولايات المتحدة الأمريكية ونتيجة التعاون الباكستاني في مجال مكافحة الإرهاب والأصولية تقدم سنوياً ما يقرب من ملياري دولار لمساعدة باكستان في المجالات العسكرية والمدنية، فضلا عن بيع كميات كبيرة من الأسلحة المتنوعة. وفي المقابل فإن باكستان أرسلت ما يقارب 100 ألف جندي إلى المناطق الحدودية مع أفغانستان لمنع تسلل الإرهابيين على طرفي الحدود، وشنت عمليات عسكرية واسعة النطاق في مناطق شمال غرب البلاد، كما سمحت للأمريكيين بإجراء عمليات محدودة داخل أراضيها وإنشأت غرف عمليات إستخباراتية مشتركة معهم ونفذت أحكام الإعدام بحق المدانيين بتهم إرهابية؛ يجب أن لاننسى أن الآف العسكريين والمدنيين الباكستانيين وقعوا ضحايا التكفيريين والهجمات الإرهابية وغارات الطائرات بدون طيار الأمريكية.

الكونغرس الأمريكي من جانبه ضغط في الأعوام الأخيرة ضد الباكستانيين رغم العلاقة الإستراتيجية بين واشنطن وإسلام آباد، في العام 2014 عندما أجبر الأمريكيين على إجراء عملية تبادل أطلقوا سراح 5 من قيادات حركة طالبان من معتقل غوانتانامو إزاء إفراج الحركة عن الجندي بويي براغدال ثارت حفيظتهم بسبب عدم تعاون المسؤولين الباكستانيين وإتهموا إسلام آباد أنها فضلت العلاقة مع شبكة حقاني الإرهابية على الولايات المتحدة؛ على الرغم من مطالبات الإدارة الأمريكية المتكررة فإن إنفاق باكستان المساعدات العسكرية المقدمة لها لم يكن شفافاً والقسم الأكبر منها أنفق على المنافسة ضد الهند عوضاً عن مكافحة الإرهاب. إن حضور زعماء وأعضاء تنظيمات مثل القاعدة وحركة طالبان على الأراضي الباكستانية وفضلاً عن القضاء على الآف بهجمات 11 من أيلول/ سبتمبر أدت إلى مقتل مئات الجنود الأمريكيين في أفغانستان وكانت سبباً في التشكيك بمدى صداقة الباكستانيين في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف.

منذ عام 2005 دفعت الولايات المتحدة 300 مليون دولار سنوياً من اجل شراء الأسلحة التقليدية للقوات الباكستانية، وسنة 2007 باعت أسلحة بقيمة 4,3 مليار دولار من بين الصفقة مقاتلات إف 16 لكن مؤخراً رفع الكونغرس الأمريكي سقف شروطه ضد القرار، كما صادق مجلس النواب على قانون يسمح للولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية إلى باكستان فقط في حالة تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب والمتشددين. رغم أن الخبراء يتوقعون أن أختر منصور أغتيل بالتنسيق مع وكالة الإستخبارات الباكستانية إلا أنني أعتقد جازماً أن الولايات المتحدة لديها الإمكانات الكافية للبحث وإصطياد الإرهابيين في أفغانستان وباكستان، أتذكر جيداً في عهد الرئيس آصف علي زرداري كيف سمح الجيش الأمريكي للضباط الباكستانين الإطلاع على معلومات إستخباراتية عبر مشاهدة مقاطع الصور التي إلتقطتها الطائرات المسيرة الأمريكية عن المناطق القبلية في بلوشستان، ليس هذا فحسب بل إستمعوا أيضاَ للمكالمات الهاتفية للإرهابيين، إن إغيتال منصور يمكن أن يكون إستعراضاً لقوة الإستخبارات الأمريكية.

 

الكاتب: علي رضا صمدي (أستاذ جامعي)

Author

أختر منصور

أفغانستان

الولايات المتحدة

باكستان

حركة طالبان

كابول


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.