بعد الاتفاق النووي من الشيطان الأكبر ايران ام امريكا ؟

25 أغسطس 2015

بعد الاتفاق النووي من الشيطان الأكبر ايران ام امريكا ؟

 

نعوم تشومسكي: بالمقارنة بأمريكا، هل إيران هي الشيطان الأعظم حقًّا؟ يسود المناخ العالمي جوّ من الارتياح، والتفاؤل بعد إتمام الاتفاقية النووية في فيينا بين إيران من جهة، والقوى العظمى الخمسة دائمة العضوية في الولايات المتحدة بالإضافة إلى ألمانيا (5+1) من جهة.

يتفق المجتمع العالمي مع تقييم الرابطة الأمريكية للحد من انتشار الأسلحة، بأن «الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني هي تركيبة قوية وفعالة تسدّ كل الطرق التي تمكَن إيران من حيازة المواد اللازمة لصناعة الأسلحة النووية،

لمدة قد تدوم أكثر من جيل كامل، وتشمل نظامًا لتتبع وردع أي جهود يمكن لإيران بذلها في الخفاء، سعيًا وراء التسليح النووي».

لكن هناك استثناءات صادمة لذلك الترحيب: الولايات المتّحدة، وحليفيها الإقليميين، إسرائيل والسعودية. قطاعات واسعة من مراكز صنع القرار والرأي العام الأمريكية تتشارك مع الحليفين في الهستيريا الافتراضية حول «التهديد الإيراني».

تصف التعليقات (المعتدلة) إيران، في الولايات المتحدة، بأنها «الخطر الأعظم على السلام العالمي». حتى مؤيدو الاتفاقية ينتابهم القلق من ثقل ذلك الخطر الداهم.

441

كيف يمكننا الوثوق بالإيرانيين بعد هذا السجل الحافل من العنف والاضطرابات والخداع؟ «دنيس روس»، الذي عمل مستشارًا لشئون الخليج الفارسي في عهد وزيرة الخارجية «هيلاري كلينتون»،

ينصح إيران بألا تشكّ للحظة أن الولايات المتحدة ستستخدم القوّة إذا اكتشفت سعي إيران نحو امتلاك سلاح نووي، حتى بعد انتهاء مدة الاتفاقية، التي ستكون بعدها إيران (نظريًّا) حرّة في فعل ما تشاء.

حتّى إنه يصف وجود نقطة نهاية للاتفاقية، بعد خمسة عشر عامًا من الآن، بـ«المشكلة الكبرى الوحيدة في الاتفاقية». يقترح كذلك على الولايات المتّحدة، أن تمدّ إسرائيل بطائرات قاذفة للقنابل، من طراز B -52، مجهّزة بقنابل شديدة القوّة، لتحمي نفسها مسبقًا من إيران.

لنستعرض بعضًا من الاتهامات، التي تواجه إيران، ونرى مدى مصداقيتها.

الشيطان الأعظم يعلّق «جايانثا دانبالا» و«سيرجيو دوارتي»، اثنان من أبرز السياسيين الذين جاهدوا من أجل إنجاح معاهدة منع الانتشار، في مقال بمجلة رابطة منع انتشار الأسلحة، بعنوان «هل هناك مستقبل لمعاهدة منع الانتشار؟»،

قائلين إن: «التبّني الناجح في 1995 لاتفاق يحقق شرقًا أوسط خالٍ من الأسلحة النووية كان العنصر الأساسي من مجموعة عناصر سمحت بتمديد معاهدة منع الانتشار لأجل غير مسمّى». لكن التوصل إلى اتفاق تكرّر إحباطه من قبل الولايات المتحدة،

ورئيسها أوباما، آخرها كانا في عامي 2010 و2015، «لصالح دولة لم توقّع الاتفاقية، وهناك اعتقاد واسع بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي» في إشارة مهذّبة،

واضحة برغم كل شيء، لإسرائيل. يأمل الاثنان أن هذا الفشل لن يكون الانقلاب الذي سيطيح بالهدفين الأساسيين لمعاهدة منع الانتشار: الإنجاز السريع في نزع التسليح النووي، والوصول إلى شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل.

وبالنظر إلى مساعي واشنطن المتكررة لإفساد الاتفاق، ينبغي علينا إعادة طرح السؤال: هل إيران هي الشيطان الأعظم حقًّا؟ وهل هي الخطر الأكبر على السلام العالمي؟ بالطبع في الولايات المتحدة، هناك “إكليشيه” مسبق، لدى المسئولين في المراكز العليا،

والمعلّقين السياسيين، أن نعم بالطبع، إيران تربح جائزة أخطر دولة. لكن هناك عالم خارج حدود الولايات المتّحدة، وهذا العالم لا يرى ذلك.

طبقًا لمراكز استطلاع الرأي الأبرز في الغرب، فإن جائزة «الدولة الأخطر» تذهب إلى الولايات المتحدة. وتأتي باكستان في المركز الثاني، بفارق معتبر.

الداعم الأول للإرهاب سؤال آخر، لماذا إيران هي الشيطان الأعظم؟ لماذا ترتعد إسرائيل والسعودية خوفًا منها؟ أيًّا كان، فهي لا تمثّل تهديدًا عسكريًّا.

أعلمت الاستخبارات الأمريكية الكونجرس منذ أعوام أن إيران تنفق القليل جدًّا على التسليح العسكري، بمقاييس المنطقة في الشرق الأوسط، وأن سياساتها العسكرية دفاعية – مصممة لردع العنف.

أيضًا فإن الاستخبارات قد نفت أن يكون لديها دليل قاطع على سعي إيران نحو برنامج تسليح نووي فعلي، وأن «سعي إيران لإبقاء خيار التسليح النووي مفتوحًا ما هو إلا جزء أساسي من سياساتها الردعية»    .

والآن لننظر إلى تقييم التسليح العالمي، الصادر عن مركز ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي. يضع المركز الولايات المتحدة في الصدارة من حيث النفقات العسكرية، تتبعها الصين بحوالي ثلث ما تنفقه أمريكا على التسليح. ونادرًا ما تًذكر إيران حتى,

في الواقع، فإن الإنفاق العسكري لإيران هو كسر بسيط مما تنفقه السعودية، أو الإمارات مثلًا.

تنفق دول التعاون الخليجي أكثر من ثمانية أضعاف ما تنفقه إيران في هذا المضمار.

يؤكد تقرير صادر عن مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية بأمريكا أن «دول الخليج الفارسي تتمتع ببعض من أكثر الأسلحة تقدّمًا في العالم،

بينما إيران قد تم إجبارها على العيش في الماضي، حيث ما زالت تعتمد على أنظمة تسليح تعود لزمن الشاه». بالطبع فإن الفارق بين إسرائيل وإيران أكبر وأكبر.

فإسرائيل، بالإضافة إلى التسليح الأمريكي الأحدث، والقواعد العسكرية الخارجية، لديها مخزون هائل من الأسلحة النووية أيضًا. بالطبع فإن إسرائيل تواجه «خطرًا يهدد وجودها» من التصريحات الإيرانية الجوفاء التي تتوعدها بالدمار، والتي لم تتخذ أي خطوة لتنفيذها. هذه التصريحات تتضاءل إذا ما قارنّاها بالدعوات المباشرة من واشنطن وتل أبيب لإسقاط النظام الإيراني، بل والأفعال التي استهدفت ذلك بشكل مباشر.

نعود هنا لانقلاب 1953 العسكري الذي نظمته الولايات المتحدة وبريطانيا للإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطيًّا، وإحلال نظام الشاه، واحد من أشد الأنظمة انتهاكًا لحقوق الإنسان وأقذرها سجلًا في تاريخ الكوكب.

بالطبع كانت هذه الجرائم معروفة لقارئي تقارير منظمات حقوق الإنسان، خاصة «أمنيستي».

لكن قراء الصحافة الأمريكية لم يعلموا عنها شيئًا، حيث لم تخصص تلك الأخيرة مساحات واسعة لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، إلا بعدما أسقطت الثورة الجمهورية نظام الشاه.

(لمزيد حول ذلك، يمكن قراءة الدراسة الموثّقة، «الصحافة الأمريكية وإيران». ليس هذا خارجًا عن المألوف، فالولايات المتحدة تتصدر مضمار الإطاحة بالأنظمة، وكذلك إسرائيل. كان احتلالها للبنان في 1982، أحد أكثرها تدميرًا، يستهدف بالأساس الإطاحة بالنظام اللبناني،

وإحكام قبضتها على المناطق المحتلّة. مخاوف أخرى تبرز عن إيران، بأنها «الداعم الأبرز للإرهاب في العالم»، في إشارة لدعمها لحماس وحزب الله: حركتان ما نهضتا إلا لمقاومة العنف والعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة، ذلك العنف الذي تجاوز أيًّا من الجرائم المنسوبة إلى هاتين الحركتين، نكتفي بذكر عمليات القتل الروتينية التي تنفذها الطائرات ذاتية القيادة «Drones» التي تتفوق على الإرهاب العالمي، وتغذيه أيضًا.

تتشارك الحركتان أيضًا في جريمة الفوز بأصوات الجماهير في الانتخابات الحرة الحقيقة الوحيدة التي شهدها الشرق الأوسط. أمّا حزب الله فقد ارتكبت الجريمة التي لا تغتفر بإجبارها إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان،

بعد احتلالها الذي خرق قرارات مجلس الأمن، وشهد العديد من عمليات الترويع والعنف المفرط. أيًّا ما كان رأي المرء في حزب الله، أو حماس، أو الحركات الأخرى المدعومة من إيران،

فإن إيران بالكاد تعتبر داعمة للإرهاب، بعد كل ما سلف ذكره.

إيران تغذّي عدم الاستقرار عبّرت «سامانثا باور»، سفير أمريكا بالأمم المتحدة، عن أحد المخاوف الأخرى، وهي «زعزعة الاستقرار التي تغذيها إيران بعيدًا عن برنامجها النووي»، مؤكدّة على ما صرحت به «أشتون كارتر»،

بأن الولايات المتحدة ستستمر في دعم إسرائيل ضد التدخل الإيراني لدعم حزب الله. يمكننا أن نرى كم أن إيران «تغذّي عدم الاستقرار» في العراق بصورة درامية، حيث قامت، ضمن جرائم أخرى عديدة،

بمساعدة الأكراد في الدفاع عن أنفسهم ضد غزو ميليشيات الدولة الإسلامية، وسعيها لبناء محطة لإنتاج الطاقة بتكلفة 2.5 بليون دولار في مدينة البصرة لإعادة مستويات الطاقة لما كانت عليه قبل الاحتلال. الاحتلال الذي خلّف مئات الآلاف من القتلى وملايين المشرّدين، وارتكبت فيه أعمال التعذيب الوحشية – يقارن العراقيون الاحتلال الأمريكي بالدمار المنغولي الذي لحق ببغداد.

الاحتلال الذي اشتعل على أثره الصراع الطائفي، الذي مزَق المنطقة إلى دويلات وآذن بنهوض الوحش المعروف بداعش. كل هذا كان «دعمًا للاستقرار» بالطبع وفقط أفعال إيران المشينة هي التي «غذّت عدم الاستقرار»!. يغضب البعض الآخر من جرأة واشنطن على التفاوض مع نظام كالنظام الإيراني،

بسجله في انتهاكات حقوق الإنسان. لکن سجلها لا ينحط إلى الدرك الذي هبط فيه حلفاء الولايات المتحدة الأقربين: السعودية، التي تجعل إيران تبدو كجنّة بالمقارنة، وإسرائيل بجرائمها البشعة في قطاع غزة وغيرها من الجرائم. من المفيد ألا ننسى، وبالطبع لم ينس الإيرانيون، كم آذت الولايات المتحدة الإيرانيين منذ 1953. وكيف دعّمت صدام حسين بعد إسقاط نظام الشاه ليبدأ عدوانه على إيران في 1980. بذل الرئيس «ريجان» مساعيه لإنكار أكبر وأبشع جرائم صدّام: قصفه لأكراد العراق بالأسلحة الكيماوية، وألقى بالتهمة على إيران. وعندما حوكم صدّام،

تحت إشراف أمريكي، تمّ إبعاد التهمة عنه بعناية، ليحاكم على قتل 148 شيعيًّا عام 1982؛ جريمة صغيرة مقارنة بباقي جرائم سجله الحافل. كان صدّام صديقًا مقربًا من الولايات المتحّدة لدرجة أنّه الوحيد الذي تسامحت معه عندما هاجم سفينة «USS Stark» وقتل 37 من طاقمها، هذا بخلاف إسرائيل بالطبع التي هاجمت أسطول الحرية «USS Liberty» عام 1967.

وأطلقت الولايات المتحدة عملية «فرس النبي» لتدمّر السفن الإيرانية والمنصات النفطية في المياه الإقليمية الإيرانية. وتُوّجت هذه العملية عندما هاجمت السفينة الأمريكية «USS Vincennes» طائرة ركّاب في السماء الإيرانية وأسقطتها، لتقتل 290 راكبًا وتمّ تكريم قائد السفينة بعد ذلك بوسام الاستحقاق. بعد نهاية الحرب،

استمر الدعم الأمريكي لصدام، وتمّ دعوة المهندسين النووين العراقيين لتلقي التدريب في الولايات المتحدة. تمّت مضاعفة العقوبات على إيران، وعلى المؤسسات المتعاملة معها، واتخذت إجراءات لعزلها عن النظام المالي العالمي.

وفي السنين الأخيرة، اشتدّ العداء ليصل إلى التخريب، والاغتيال لعدد من العلماء النوويين، والحرب الإلكترونية. الدولة المارقة هل تنتوي القيادة الإيرانية إنتاج أسلحة نووية اليوم؟ ربّما نشكك في نواياهم الآن،

لكن في الماضي كان الأمر لا يحتمل الشكّ. فقد أعلنوا صراحةً عن أن إنتاج إيران للأسلحة النووية «مؤكد، وأقرب مما قد يظن المرء».

مؤسس البرنامج النووي الإيراني، والرئيس السابق لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية كان واثقًا من أن خطة القيادة تقضي بصنع قنبلة نووية. كل هذا كان في عهد الشاه، عندما كان المسئولون في أمريكا – «ديك تشيني»، «دونالد رامسفيلد»، «هنري كيسنجر» وآخرون– يشجعونه على الاستمرار في برامجه النووية، ويضغطون على الجامعات الأمريكية لخدمة هذه البرامج.

عقد معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» اتفاقًا مع الشاه يقتضي بالسماح للطلبة الإيرانيين بالالتحاق ببرنامج الهندسة النووية، مقابل منح للجامعة.

حظيت الصفقة باعتراضات طلابية قوية ودعم إداري قوي في المقابل. وعندنا سُئل كيسنجر عن سبب دعمه لمثل هذه البرامج تحت حكم الشاه، ومعارضته لها الآن، كانت إجابته صريحة: لقد كانت إيران دولة حليفة وقتها. لنضع الادعاءات السخيفة جانبًا، ما الخطر الحقيقي الذي تمثله إيران؟ إن رجعنا لتقارير الاستخبارات، فهي لم تؤكد سوى أن الخطر محدود، وأن التسليح هدفه الردع فقط.

من إذن هي الدول التي تخاف من مجرد وجود رادع؟ إلإجابة واضحة: إنها الدول المارقة، التي تعيث فسادًا في المنطقة ولا تحتمل أي تهديد لاستخدامها المستمر للعنف: الولايات المتحدة، وإسرائيل، والسعودية تحاول اللحاق بركبهما،

عندما غزت البحرين لتسحق القوى الإصلاحية هناك، وفي هجومها الحالي على اليمن، لتزيد من حدة الكارثة الإنسانية الجارية هناك. هذه النقاط هي من ضمن الأهم التي يجب أن يضعها أي محلل للاتفاقية، المبرمة في فيينا، نصب عينيه، سواءً صمدت الاتفاقية، أو أسقطها الكونجرس، وليس ذلك ببعيد.

Author

الاتفاق النووي

الاتفاقية النووية

الشيطان الأكبر

العراق

القوى العظمى

المناخ العالمي

امريكا

ايران

دعمًا للاستقرار

ميليشيات الدولة الإسلامية


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.