باكستان، الأم الحنون لطالبان ثم القاعدة فداعش

13 فبراير 2016

 

حذر الرئيس الأفغاني، أشرف غني، في العديد من المقابلات الأخيرة من أنه إذا لم تسفر المحادثات مع باكستان وطالبان عن نتائج في الأشهر القليلة المقبلة، فإن بلده ربما لا ينجو في العام 2016. وقال إن أفغانستان تقف بالكاد على قدميها الآن بعد الهجوم الذي شنته حركة طالبان في العام الماضي، والذي أسفر عن أعلى حصيلة من الإصابات بين المدنيين وقوات الأمن الأفغانية منذ العام 2001.

4ا
وتساءل السيد غني في مقابلة تلفزيونية حديثة: “إلى أي مدى من السوء ستصل الأمور؟ الأمر يعتمد على حجم التعاون الإقليمي الذي يمكن أن نؤمِّنه، وكم من الوساطة والضغط الدوليين يمكن أن يمارسا من أجل ترتيب العلاقات والقواعد بين الدول”.


لكن ما كان يعنيه حقاً هو أن الأمر يعتمد على كم من الضغط الدولي يمكن أن يمارس لحمل باكستان على وقف عدوانيتها.
يقول منتقدو القيادة الأفغانية أن انهيار أفغانستان ليس خطأ باكستان، ويشيرون في هذا الصدد إلى العديد من الإخفاقات الداخلية للحكومة الأفغانية: الانقسامات السياسية؛ المؤسسات الضعيفة؛ وأمراء الحرب والفساد.


لكن الخبراء وجدوا الكثير من الأدلة على أن باكستان ساعدت في تسهيل هجوم طالبان. وكانت الولايات المتحدة والصين تطلبان من باكستان باستمرار إقناع طالبان بصناعة السلام، لكن أفغانستان تقول إن إسلام أباد لم تفعل أي شيء لكبح جماح طالبان. وإذا فعلت أي شيء في واقع الأمر، فهو أنها شجعتها على رفع الرهانات في أفغانستان أملا في كسب النفوذ في أي اتفاق على تقاسم السلطة في أفغانستان.


وليس هذا السلوك الباكستاني قضية تخص أفغانستان فقط. فباكستان تتدخل في عدد من الصراعات الخارجية الأخرى أيضاً. وقد عمل جهاز مخابراتها منذ وقت طويل كمدير لقوات المجاهدين الدوليين، الذين يتكون الكثير منهم من المتطرفين السنة، بل إن هناك تكهنات بأنها ربما تكون متورطة في صعود تنظيم “الدولة الإسلامية” نفسه.
بدأ هجوم طالبان الأخير في العام 2014. وكانت قوات الولايات المتحدة وحلف الناتو تقوم بخفض وتيرة عملياتها في أفغانستان، وتستعد للانسحاب، عندما قررت باكستان، بعد سنوات من المراوغة، طرد مقاتلي طالبان والقاعدة من ملاذهم الآمن في منطقة باكستان القبَلية في شمال وزيرستان.

ما من شك في أن تلك العملية كانت مسعى جديّا –حيث تم تدمير قواعد طالبان، وغرف التعذيب ومخازن الذخيرة، وكذلك تجريف الأسواق وتشريد أكثر من مليون من المدنيين.
لكن المتشددين كانوا قد أعلموا بالعملية مسبقاً، وهرب منهم المئات، كما يقول رجال القبائل ومقاتلو طالبان. وقد فر الكثيرون منهم عبر الحدود إلى أفغانستان، تماماً في اللحظة الضعيفة بينما كانت حكومة أفغانستان تتولى المسؤولية عن أمنها الخاص. ووصل تسعون مقاتلا  مع عائلاتهم إلى محافظة باكتيكا في ذلك الصيف، مما أثار مخاوف المسؤولين الأفغان.

وأبعد على طول الحدود مع محافظة باكتيكا، احتل مقاتلو طالبان قواعد وبؤراً أمامية مهجورة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وقد حذرني أحد البرلمانيين في المنطقة من أنهم قد يستخدمون هذه المواقع لشن هجمات في مناطق أعمق داخل أفغانستان، والتي قد تصل حتى إلى كابول نفسها. ثم وقعت بعض أكثر الهجمات الانتحارية تدميراً في تلك المحافظة في الأشهر التي تلت.

في الأثناء، انتقلت شبكة حقاني في الباكستان، وهي الفرع الأكثر قدرة من طالبان، من شمال وزيرستان إلى منطقة كرام المجاورة. وهي تواصل التمتع بملاذ آمن هناك، وتشن عمليات التمرد ضد أهداف أميركية ودولية وأفغانية.
تنظر باكستان إلى أفغانستان على أنها حديقتها الخلفية. وفي إطار عزمها على عدم السماح لعدوتها اللدودة، الهند، بكسب نفوذ هناك، ولضمان أن تبقى أفغانستان معسكرا إسلاميا سنياً، عمدت باكستان إلى استخدام طالبان بفعالية، حيث دعمت الذين يؤيدون أجندتها وضيقت الخناق على الذين لا يفعلون. وينطبق الأمر نفسه على تنظيم القاعدة والمقاتلين الأجانب الآخرين.
وحتى مع معرفة ذلك، ربما يظل من المفاجئ معرفة أن الثلاثي الأبرز للجهاد العنيف يعيشون علناً في باكستان.
أولا، هناك سراج الدين حقاني، زعيم شبكة حقاني، والثاني في سلم قيادة طالبان. وهو يتحرك بحرية في باكستان، حتى أنه زار مقر المخابرات الباكستانية للحملة الأفغانية في راولبندي.

ثم هناك القائد الجديد لطالبان، الملا أختر محمد منصور، الذي عقد اجتماعات علنية لجيشه ومجلس قيادته بالقرب من بلدة كويتا الباكستانية. ومنذ صعوده إلى السلطة في العام الماضي، شنت طالبان بعضاً من أكثر هجماتها طموحاً في داخل أفغانستان، حيث اجتاحت مدينة قندوز الشمالية، وهي تندفع للسيطرة على محافظة هلمند الغنية بالأفيون.

وأخيراً، يتمتع زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بملاذ آمن في باكستان –حدد تقرير حديث مكانه في الزاوية الجنوبية الغربية من بلوشستان. وكان الظواهري يعمل على تأسيس معسكرات التدريب في جنوب أفغانستان. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، تطلب الأمر من قوات العمليات الخاصة الأميركية عدة أيام من القتال والقصف الجوي من أجل تطهير تلك المعسكرات. ويقول قادة أميركيون أن المجموعة التي كانوا يقاتلونها هي “القاعدة في شبه الجزيرة الهندية”، وهي فرع جديد أعلنه السيد الظواهري، والذي أعلن مسؤوليته عن قتل المدونين والناشطين في كراتشي وبنغلادش، من بين هجمات أخرى.
تنكر باكستان إيواءها طالبان والقاعدة، وتشير إلى أنها هي أيضاً ضحية للإرهاب. لكن العديد من المحللين ذكروا بالتفصيل كيف غذى الجيش الباكستاني المجموعات الإسلامية المتشددة، لتكون أداة لقمع الحركات القومية، خاصة في أوساط الأقلية الباشتونية، في الوطن وفي الخارج.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للقلق، هو تلك التقارير التي تتحدث عن وجود دور لباكستان في صعود مجموعة “داعش”.


قبل العملية التي نفذتها باكستان في شمال وزيرستان في العام 2014، غادر العشرات، بل المئات من المقاتلين الأجانب المناطق القبلية الباكستانية، للقتال ضد الرئيس بشار الأسد في سورية. ويقول رجال القبائل ومقاتلو طالبان من المنطقة أن هؤلاء المقاتلين هربوا إلى أولا إلى كويتا، ثم طاروا منها إلى إحدى دول الخليج. وهناك استلموا جوازات سفر جديدة ومرورا إلى تركيا، من حيث استطاعوا العبور إلى داخل سورية. كما سافر آخرون براً على طول طرق التهريب البالية القديمة من باكستان، وعبر إيران والعراق.
ووصل أولئك المقاتلون في الوقت المناسب تماماً لتعزيز الهجوم الكاسح الذي شنته مجموعة “داعش” في العراق، ثم إنشاء “داعش” في أيلول (سبتمبر) 2014.
إذا كانت هذه الروايات صحيحة، فإن باكستان كانت تتعاون مع الدولة الخليجية، وربما مع آخرين، لنقل الجهاديين السنة الدوليين (بمن فيهم 300 باكستاني) من المناطق القبَلية الباكستانية، حيث لم تعد هناك حاجة إليهم، إلى ميادين المعارك الجديدة في سورية. وهذه مجرد تذكرة أخرى فقط بتورط باكستان المركزي في خلق وإدارة الجماعات الجهادية العنيفة، كما قال لي سياسي باكستاني تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لدى التحدث عن شؤون المخابرات.


كان ذلك يحدث لأكثر من 30 عاماً. وفي العام 1990، كنت قد تشاركت رحلة بالحافلة مع شاب صيني من اليوغوريين، مسلمي شمال غرب الصين المضطرب، والذي كان قد أمضى أشهراً من التدريب في المدارس الدينية في باكستان، بما في ذلك المشاركة في غزوة قصيرة في أفغانستان حتى يتذوق طعم المعارك. وكان هؤلاء يعودون إلى أوطانهم، مزودين بجوازات سفر باكستانية جديدة، كهدية مواطَنةٍ غالباً ما تقدَّم لأولئك الذين ينضمون إلى الجهاد.
بعد سنوات من ذلك، مباشرة بعد العثور على أسامة بن لادن وقتله في باكستان، قابلت واحداً من قادة حرب العصابات من منطقة كشمير المتنازع عليها، والذين كان قد أمضى 15 عاماً مسجلاً على كشف رواتب الجيش الباكستاني، وسافر لتدريب ومساعدة المتمردين في البوسنة، والشيشان، وكشمير وأفغانستان.
في العام 2012، صادفت العديد من الحالات حيث كان رجال الدين الشباب المتخرجين حديثاً من المدرسة الحقانية في باكستان يعودون إلى قراهم الأصلية في أفغانستان، وهم يفيضون بالسيولة النقدية، ويعكفون على إدارة المساجد وتجنيد وتنظيم عصابة من أتباع طالبان.
ثم زرت تلك المدرسة الدينية في العام 2013. وهي جامعة حركة طالبان الأفغانية، حيث تدرب العديد من قادة الحركة. وقد ظل رجال الدين هناك عنيدين دائماً في دعمهم الذي لا يلين لطالبان. وقال لي يوسف صلاح، المتحدث باسم المدرسة: “إنها حقيقة سياسية أن طالبان سوف تستولي على السلطة في يوم من الأيام. إننا خبراء في شؤون طالبان”. وأضاف أن أغلبية من الشعب الأفغاني “ما يزالون يدعمونهم”.


المدرسة، التي شكلت منذ فترة طويلة أداة للمخابرات الباكستانية، كانت تدرب الناس من الأقليات العرقية في شمال أفغانستان، إلى جانب زبائنها المعياريين من البشتون. وما يزال الهدف هو نيل السيطرة على شمال أفغانستان من خلال هؤلاء الخريجين الشباب. ومن هناك، يضعون أعينهم على آسيا الوسطى وغرب الصين. ويقوم رجال الدين الباكستانيين بتعليم اليوغوريين الصينيين ودفعهم إلى التطرف أيضاً، إلى جانب أبناء آسيا الوسطى القادمين من الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفياتي.
مع كل هذا، لم يعمد أحد إلى مساءلة باكستان أو محاسبتها عن هذا السلوك. فلماذا تتخلى عنه الآن؟

الكاتب: كارلوتا غال

Author

أفغانستان

القاعدة

باكستان

داعش

طالبان


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.