يبرز سؤال ملح بعد إقدام السعودية أمس الأول على إعدام الشيخ نمر النمر، وقطع علاقاتها الديبلوماسية أمس مع إيران، حول المدى الذي من الممكن أن يصله ارتفاع حدة الصراع بين البلدين، إذ تشير عملية «الاغتيال السياسي» للنمر، إلى عزم المملكة، التي لم تتمكن من تحقيق مكاسب ميدانية في الملفات التي تعتبرها تشكل مواجهة مفتوحة بين البلدين، انتهاج سياسة التصعيد، لا سيما عبر «رسائل الانتقام»، ومنها إعدام النمر الذي وصفته إيران بـ «الخطأ السياسي».
هذا المدى من التصعيد، يبدو ممنهجاً، إذ تحولت الأنظار العربية والخليجية من إعدام النمر، الذي يشكل انتهاكاً واضحاً لحقوق الإنسان، إلى عملية إحراق السفارة السعودية في طهران من قبل متظاهرين غاضبين، على أنه من المتوقع أن تبرز تجلياته أكثر في الأيام والأسابيع المقبلة.
حتى ذلك الحين، من الممكن وصف ردة الفعل الإيرانية على إعدام السعودية للنمر بالمتوقعة، والمضبوطة أيضاً بسقف متوقع، علماً أن النمسا كانت أكدت قبل إعلان الرياض «قطع العلاقات»، أن وزيرَي خارجية البلدين أبلغاها عدم رغبتهما بالتصعيد.3
وأعلن وزير الخارجية السعودية عادل الجبير أمس، ان بلاده قطعت علاقاتها الديبلوماسية مع ايران على خلفية الهجوم على سفارة المملكة في طهران، وموقف الجمهورية الاسلامية اثر اعدام الرياض للنمر.
وقال الجبير في مؤتمر صحافي إن المملكة تعلن «قطع علاقاتها الديبلوماسية مع ايران وتطلب مغادرة جميع افراد البعثة الديبلوماسية الايرانية، السفارة القنصلية والمكاتب التابعة لها، خلال 48 ساعة، وقد تم استدعاء السفير الايراني لإبلاغه بذلك».
واعتبر الجبير ان «تاريخ ايران مليء بالتدخلات السلبية والعدوانية في الشؤون العربية ودائما ما يصاحبه الخراب والدمار»، مضيفا ان «هذه الاعتداءات تعتبر استمرارا لسياسة النظام الايراني العدوانية في المنطقة التي تهدف الى زعزعة امنها واستقرارها، واشاعة الفتن والحروب فيها».
ورأى ان الاعتداء على السفارة في طهران والقنصلية في مدينة مشهد يشكل «انتهاكا صارخا لسائر الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية».
إيران بعد إعدام النمر: خطأ سياسي
وفي الوقت الذي شهدت طهران ومدن إيرانية عدة تظاهرات عارمة، لا سيما أمام السفارة السعودية في طهران، والتي تعرضت لعملية حرق أمس الأول، اعتبر المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية الايرانية السيد علي خامنئي أمس، ان السعودية ستواجه «النقمة الالهية» بعد إعدامها النمر، مؤكداً أن «الحكومة السعودية ارتكبت خطأ سياسياً بإراقتها دم الشيخ نمر من دون وجه حق».
وقال خامنئي، في خطاب امام رجال دين في العاصمة الإيرانية، إنه «مما لا شك فيه ان دماء هذا الشهيد المظلوم المراقة بلا وجه حق، ستعطي اثرها سريعاً، وستطاول النقمة الالهية حكام السعودية، وهذا مبعث عزاء».
وأضاف أن «هذا العالِم المظلوم لم يشجع الناس على الحراك المسلح، ولم يتآمر بشكل سري، وإنما الشيء الوحيد الذي قام به هو توجيه الانتقاد العلني والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر النابع من غيرته الدينية»، داعياً «العالم الاسلامي، والعالم برمته، الى ان يتحمل المسؤولية تجاه هذه القضية».
وكان المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية قد نشر أمس الأول على حسابه على موقع «تويتر» رسالة تشيد بالنمر، وإلى جانب صورته عبارة «الصحوة لا يمكن قمعها».
وحملت صفحة خامنئي أيضاً صورة تشبه السعودية بتنظيم «داعش» الذي يقوم بإعدامات جماعية بحق كل من يعارضه.
من جهته، دان الرئيس الايراني حسن روحاني تنفيذ النظام السعودي حكم الاعدام ضد الشيخ النمر، واصفاً هذا الإجراء بـ «غير الانساني وغير الاسلامي، ويأتي في سياق سياسات التفرقة وتأجيج التطرف والارهاب».
وفي بيان له، قال الجيش الايراني إنه «لقد حان الوقت ليشعر العالم بالمسؤولية تجاه هذه الجريمة وسائر جرائم هذا النظام البغيض وان يرد عليها بشكل مناسب».
واعتبر البيان انه «من المؤكد ان تداعيات هذا الاجراء الهمجي الذي قام به نظام آل سعود ستطال سريعاً ساسته».
وكانت وزارة الخارجية الايرانية قد حذرت أمس الأول من ان السعودية ستدفع «ثمناً باهظاً» لإعدامها النمر، منددة بـ «عدم مسؤولية» الرياض. كما استدعت القائم بالأعمال السعودي حيث سلمه نائب وزيرها حسين امير عبد اللهيان «احتجاجاً» على عملية الإعدام.
وقال المتحدث باسم الوزارة حسين جابر انصاري إن «الحكومة السعودية تدعم من جهة الحركات الارهابية، وتستخدم في الوقت ذاته، لغة القمع وعقوبة الاعدام ضد معارضيها الداخليين؛ ستدفع ثمناً باهظاً على هذه السياسات».
كما نددت شخصيات ايرانية بارزة سريعاً بالإعدام السعودي. واعتبر رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني أن «النظام السعودي لن يتمكن من الخروج بسهولة من الورطة التي أقحم نفسه فيها مع استشهاد هذا الشيخ العظيم»، فيما أشار عضو مجلس خبراء القيادة احمد خاتمي إلى أنه «من المؤكد ان دم الشيخ نمر الطاهر الذي اريق في السعودية سيشعل الحماسة لدى الشيعة في السعودية والبلدان الاسلامية كافة، وسيدفع آل سعود ثمناً باهظاً جراء جريمتهم».
وأضاف خاتمي إن الإعدام «يعكس الطبيعة الإجرامية لآل سعود»، مضيفاً أنه «بلا شك، فإن هذه الدماء الطاهرة ستلطخ أسرة آل سعود وستمحوها من صفحات التاريخ».
بدوره، دان الحرس الثوري الايراني في بيان عملية الإعدام السعودية، معتبراً «هذا العمل الاجرامي» بانه سلوك يماثل ما يقوم به داعش، ومؤكدا بان «انتقاما شديدا ينتظر هذا النظام».
تظاهرات عارمة
وبالرغم من الحظر الذي أصدرته الحكومة الإيرانية لتجنب أي تصعيد بعد حرق السفارة السعودية في طهران أمس الأول، تظاهر اكثر من الف شخص في العاصمة الإيرانية، أمس، احتجاجاً على اعدام النمر، واحتشدوا قرب السفارة، هاتفين «الموت لآل سعود»، كما احرقوا اعلاما اميركية واسرائيلية.
وفي الوقت ذاته، احتشد مئات الإيرانيين في ساحة فلسطين للتنديد بعملية الإعدام، كما نظمت تظاهرات في مدن ايرانية اخرى.
وكان متظاهرون ايرانيون هاجموا مساء السبت مبنى السفارة السعودية في طهران واحرقوه، تعبيراً عن غضبهم. كما هاجم متظاهرون مقر القنصلية السعودية في مشهد.
وإثر هذين الهجومين، طالب المتحدث باسم الخارجية الايرانية الشرطة الديبلوماسية بحماية المقار الديبلوماسية السعودية، كما اعتبر الرئيس الايراني ان الهجومين «غير مبررين على الاطلاق»، فيما أعلن مسؤول ايراني أمس توقيف 40 متظاهراً بعد الهجومين.
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية السبت، انها استدعت، امس الاول، السفير الايراني لديها وسلمته «مذكرة احتجاج شديدة اللهجة» حيال التصريحات الايرانية «العدوانية» التي صدرت بعيد اعدام الشيخ النمر.
ونقلت وكالة الانباء السعودية الرسمية «واس» عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية قوله إن الوزارة عبرت للسفير عن «رفضها القاطع لهذه التصريحات العدوانية التي تعتبرها تدخلا سافرا في شؤون المملكة».
كما حمّلت الخارجية السعودية «الحكومة الإيرانية المسؤولية كاملة حيال حماية سفارة خادم الحرمين الشريفين في طهران، وقنصلية المملكة في مدينة مشهد، وحماية أمن منسوبيها كافة من أي أعمال عدوانية، وذلك بموجب الاتفاقيات والقوانين الدولية».
وفي بيان لها، أبدت الخارجية السعودية «استهجانها واستنكارها الشديدين ورفضها القاطع لكل التصريحات العدوانية الصادرة عن النظام الإيراني»، مؤكدة أن «نظام إيران هو آخر نظام في العالم يمكن أن يتهم الآخرين بدعم الإرهاب، باعتباره دولة راعية للإرهاب، ومدانا من قبل الأمم المتحدة والعديد من الدول».