العربیه

«مع حمد ألم»

من أولى العبارات التي تعلمها البحرينيون في مدارسهم في سبعينيات القرن الماضي ضمن مناهج اللغة العربية في الصف الأول الابتدائي هي عبارة «مع حمد قلم»، فبقيت في ذاكرة الكثيرين.
ولكن تلك العبارة تحولت مؤخراً إلى «مع حمد ألم» عندما رفعتها إحدى المتظاهرات في تظاهرة حاشدة انطلقت في أحد الأحياء الرئيسية في شمال البلاد، غربي العاصمة البحرينية المنامة، في إشارة إلى الوضع المؤلم الذي يعيشه المواطنون في ظل حكم الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة.
الشعارات المرفوعة في التظاهرات، التي لم تتوقف منذ عامين ونصف العام عندما وصل «الربيع العربي» إلى مشارف الجزيرة الصغيرة في شهر شباط العام 2011، تتسم بالإبداع وبالتعبير الموجز عن آلام الناس ومعاناتهم، خصوصاً مع مصاحبة الاحتجاجات في البحرين حملة أمنية قاسية كانت ضحيتها عشرات القتلى ومئات الجرحى والمتعرضين للتعذيب، إضافة إلى آلاف المعتقلين والمفصولين من أعمالهم.
وفي تظاهرة انطلقت مؤخراً في شارع البديع، أسوة بغالبية التظاهرات التي تخرج أسبوعياً، رفع بعض المشاركين بالونات مكتوباً عليها «صامدون»، فيما رفعت لافتات مكتوب عليها «نفسي فداء وطني»، المستوحاة مما كتبه الطالب الجامعي علي المؤمن على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك» قبل التوجه إلى دوار اللؤلؤة بساعات عدة ليقتل هناك برصاص الشرطة. الكثيرون يحملون صور قتلاهم «الشهداء»، فيما يحمل آخرون صور معتقليهم، الرجال والنساء منهم.
ولا يتخلف الأطفال عن هذه التظاهرات، فبعضهم يرتدي ملابس مطبوعاً عليها صورة آبائهم المعتقلين، ومكتوب عليها بالخط الأحمر «أريد أبي» أو «اشتقت لأبي»، إضافة إلى أطفال يرفعون لافتات تقول «متى يعود والدي إلى عمله؟»، ويتفنن الأهالي في تلبيس أبنائهم وتلوين الوجوه باللونين الأحمر والأبيض.
في المقابل، فإنّ الطائفية التي تحاول السلطة في البحرين أن توصم بها الاحتجاجات تتبدّد في شعارات «أخوان سنة وشيعة.. هذا الوطن لا نبيعه»، و«لا سنية ولا شيعية.. وحدة وحدة وطنية»، بالإضافة لدحض العنف من خلال شعار «سلمية.. سلمية»، و«قلمي ولساني هما سلاحي».
أما التظاهرات الليلية، أو تلك التي يدعو إليها «ائتلاف شباب الرابع عشر من فبراير»، فهي تتسم بحدة أكبر تماشياً مع ارتفاع سقف مطالبها التي يأتي على رأسها إسقاط النظام، ومحاكمة العائلة الحاكمة، التي يسميها في أدبياته بـ«العائلة المحتلة» أو «المجرمة».
ويبدو شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» جلياً خلال هذه التظاهرات، بالإضافة إلى الشعار «يسقط حمد»، في إشارة إلى ملك البلاد.
وما بين الشعارات الغاضبة التي تطالب بالقصاص من القتلة والمعذبين وتلك التي تتسم بالفكاهة، والمطلِقة على رئيس الوزراء اسم «أبو دينار» بعد كشف المعارضة وثائق تؤكد شراءه أرضاً بحرية قيمتها ملايين الدنانير بدينار بحريني واحد، أي حوالي 2,6 دولار أميركي، تتلخص أسباب استمرارية الحراك.
وفي هذا السياق، يرى رسام الكاريكاتير البحريني علي البزاز في حديث لـ«السفير»، أن اللافتات التي ترفع عادة في التظاهرات تكون موزعة من قبل منظمي التظاهرة، لذا فهي تأخذ المساحة الأوسع من الشعارات التي ترفع، مستدركاً «إلا أن الكثيرين يصممون لافتاتهم وشعاراتهم بأنفسهم، ويرفعون مطالبهم وصور الأحباب وقادتهم السياسيين وأقاربهم الذين قتلوا أو اعتقلوا أو أصيبوا، وذلك من باب التذكير أو التضامن أو المطالبة بالقصاص».
ويتابع البزاز في حديثه أن «البعض يقضي وقتاً وجهداً في إعداد لافتة وشعار من تصميمه، يحملان رسماً، ألواناً، صورة، أو كلمات. كلٌ يعبر عن رأيه بطريقته، فلا يلتزم بما تطرحه الجمعيات السياسية من رؤى وأفكار وشعارات، فلكل معاناته وقضيته، كما أن المطالب تختلف وطرق التعبير عنها تختلف».
ويحاول البزاز أن يكون متواجداً في التظاهرات التي تدعو إليها المعارضة من خلال تقديم رسم كاريكاتيري يتناسب وعنوان المسيرة أو يتناسب والأحداث الساخنة الأخيرة في البلاد، وأحياناً مع قضايا تعنيه بشكل شخصي، فيعبر عنها بطريقته الخاصة.
ويشجع رسام الكاريكاتير البحريني الناس للتعبير عن آرائهم والمشاركة الإيجابية في التظاهرات، وأن يحملوا معاناتهم ليخلقوا كل ما هو جديد من صور ورسوم مختلفة. ويبرر دعوته قائلاً «لدينا الكثير من المبدعين، ولكن الخوف أحياناً يكبحهم، وعدم وجود مؤسسة تحتضن إبداعهم يجعلهم متوارين»، مضيفاً إنّ «فناني الغرافيتي، مثلاً، الذين يخطون الجدران برسوم جميلة تعبر عن الثورة البحرينية لا نعرفهم ولا نعرف أشخاصهم، كما لم تظهر أية موسيقى تحمل قضايا الناس حتى الآن»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنّ «الفنانين التشكيليين ورسامي الكاريكاتير هم قلة، ويعدّون على أصابع اليد الواحدة».

Author

Exit mobile version