قاسم سليماني منقذ الشرق الأوسط!

17 ديسمبر 2016

مع تطبيق معاهدة سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا العظمى على مرآى ومسمع الإتحاد السوفياتي بمنطقة آسيا وتحديداً غرب آسيا ” الشرق الأوسط” تم تقسيم هذه الرقعة الجغرافيا البالغة الأهمية إلى بلدان صغيرة في عقد يستمر لمدة 100 عام. وتكمن أهمية منطقة غرب آسيا “الشرق الأوسط” بأنها تحتضن وتنتج ثُلث موارد الطاقة عالمياً، ونظراً إلى موقعها الجغرافي الفريد كنقطة وصل بين القارتين الأسيوية والأوربية فهي تتمتع بموقع جغرافي إستراتيجي يمتد من مضيق هرمز شرقاً إلى مضيق باب المندب غرب الجزيرة العربية جعلتها محط أنظار القوى الإستعمارية الباحثة عن التمدد والتسلط.

55%d8%a7

مع دخول الألفية الجديدة والقرن 21 ومنذ العام 2001 “تاريخ الإجتياح الأمريكي والغربي لأفغانستان” شهدت منطقة الشرق الأوسط صراعات دموية كان يدار من الجذًر في أفغانستان؛ ومع إنتشار ظاهرة المجموعات الجهادية التي ضمت في ثناياها فئات إثنية مختلفة من العرب والشيشانيين وحتى الأفارقة كان يجري الإعداد لهدفين أساسيين الأولى الفشل السوفياتي الذريع لدرجة إنهارت معها الإتحاد السوفياتي وتفكك إتحاد الجمهوريات السوفياتية ماحذا بهذه الدولة الكبيرة للإنكفاء والتقوقع و الثانية الرغبة الجامحة التي تولدت لدى المجموعات الجهادية بعد هزيمة السوفيات سعياً لتشكيل “الإمارة الإسلامية” وهذا ما دفعهم لإستهداف الهدف الأساسي وهي الولايات المتحدة الأمريكية والذي تجلى في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر ما منح الأمريكان والناتو الذريعة لإجتياح أفغانستان للقضاء على الإرهاب الإسلامي (وهي ذات الجماعات الإرهابية التي مولتها ودربتها عسكرياً وإستخباراتياً الولايات المتحدة في معسكرات بباكستان في سبيل إلحاق الهزيمة بالإحتلال السوفياتي).

بعد عامين من غزو أفغانستان وتنصيب الحكومة المفضلة لهم، وجهوا أنظارهم نحو العراق بحجة إمتلاكها أسلحة الدمار الشامل، هناك بدؤا حرباً شعواء لم تسفر عن سقوط صدام حسين فحسب بل كانت السبب خلف كوارث مانزال نشاهد تداعياتها حتى الآن. لم يتم إثبات وجود أسلحة دمار شامل مطلقاً فيما قام كل من جورج بوش الأب وتوني بلير قادة حرب الخليج الثالثة بتحويل أنظار العالم إلى تحقيقات واهية ومضللة، العالم أدرك حقيقية القضية، لكن ماذا كان البرنامج بالضبط؟

في خضم الصراع الدائر في أفغانستان والعراق طفح إلى السطح ظاهرة جديدة وغير متوقعة تحت إسم “الربيع العربي”، خرج على إثرها شعوب تونس ومصر واليمن وبدأوا العصيان المدني للإعتراض على تفرد الرؤساء زين العابدين بن علي وحسني مبارك وعلي عبدالله صالح بالسلطة؛ هذه الحركات الشعبية نجحت في إزاحة رؤساء البلدان الثالثة ووصل الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر وحزب النهضة الإسلامي تولى مقاليد حكم تونس، فيما نصب عبدربه منصور هادي رئيساً جديداً على اليمن. في الحقيقة فإن تعاقب سقوط تلك الأنظمة على شكل أحجار الدومينو أدى لإستفحال أزمات المنطقة وجعلها معقدة أكثر فأكثر، كما أن تشعب القضايا المطروحة جعل اللعبة أكثر جاذبية وإثارة لدى البلدان الإقليمية والدولية ومن بينها الولايات المتحدة. في تلك البرهة الزمنية شكل الأمريكيين غرفة طوارئ في واشنطن وفيرجينيا لتحليل ودراسة الأوضاع في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا بمشاركة وزراء الحرب وجنرالات الحرب الناعمة وبينهم ضباط إسرائيليين لتسليط الضوء على الحركات الناشئة لدراستها بشكل معمق ووضعوا برامج ذكية لتحقيق مآربهم.

لقد حدد صناع السياسة الأمريكية هدفهم الإستراتيجي في مرحلتين الأولى إدارة الربيع العربي والثانية تطبيق خريطة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد المشبوهة.

55%d8%a8

المرحلة الأولى: إدارة الربيع العربي

هذه المرحلة كانت تتطلب إستراتيجية حرب ناعمة حساسة لإيجاد بدائل للأنظمة الموالية للولايات المتحدة أو ضمان وصول شخصیات محايدة في أفضل الأحوال، ومن ثم المبادرة إلى الخطوة الثانية عبر جر ما يسمى بالربيع العربي ولو بشكل مصطنع وخيالي نحو بلدان أخرى مثل ليبيا وسوريا للإطاحة بحكم الرئيسين المعمر القذافي وبشار الأسد اللذين عرف عنهما معارضتهما للسياسات الأمريكية وتزعم أنظمة مستقرة ذات طابع إشتراكي، بخاصة سوريا التي تملك واحدة من أقوى الجيوش في المنطقة والتي تشكل تهديداً على إسرائيل.

في مصر تمت إدارة الربيع العربي مع إيصال ومن ثم التخلص المكوكي من الإخوان المسلمين، والرئيس محمد مرسي خرج من السلطة على إثر عصيان مدني وليس ثورة شعبية والشخص الذي خلفه في المنصب “الجنرال عبدالفتاح السيسي” جاء بمباركة إسرائيلية؛ على هذا المنوال فإن الربيع العربي لم يكتمل في اليمن أيضاً وتم جره بالقوة إلى ليبيا وسوريا وفق الخطة المرسومة سلفاً.

 

المرحلة الثانية: تطبيق خريطة الشرق الأوسط الكبير “الجديد” المشبوهة

لقد عاش الغرب بسعادة غامرة في تلك الأيام نظراً إلى أن خطتهم كانت تطبق بسلاسة وفق ما خططا لها مسبقاً، وكانوا يستعدون للخطة الأكبر وهي تغيير الأنظمة ثم تبديل ديموغرافية المنطقة “الجغرافيا البشرية”، ومن ثم إستبدال الخريطة الحالية بسبب إنتهاء مدة سريان معاهدة سايكس بيكو بين فرنسا وبريطانيا التي شارفت على الإنتهاء بعد مضي 100 عام، ومع بدأ القرن 21 تحركت الولايات المتحدة المزهوة بجبروتها لوضع تعاريف وتقسيمات تخدم مصالحها الإقتصادية والتجارية والإنسانية في المنطقة.

في المقابل فإن ردود الأفعال أخذت بالتبلور شيئاً فشيء في مواجهة التكتيكات العسكرية – السياسية للولايات المتحدة، وشرارتها الأولى كانت من العراق. فمع تشكيل الدولة نصف الشيعية تحت نفوذ جورج بوش فإن على مقربة منهم كان صناع السياسة في طهران يفكرون في تجربة حظوظهم عبر تنظيم خط دفاعي متقدم في العراق ومن ثم التفكير في كيفية منع التواجد الأمريكي في العراق مثلما هو الحال عليه في أفغانستان. الجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت في أعماقها قلقة لأنها باتت وحيدة بكل ما للكلمة من معنى، فالبلدان العربية الغنية بالنفط والجيوش كما جرت العادة إصطفوا إلى جانب الولايات المتحدة، وأرودغان المتعطش لإحياء الخلافة العثمانية داخل حزب العدالة والتنمية وتركيا كانت راغباً بدعم حلف الناتو. من هنا فقد إضطرت إيران لإدخال أحد الشخصيات المخلصة للنظام بزعامة اية الله علي الخامنه اي في المعترك السياسي الإقليمي ونقصد هنا الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هذه الشخصية الفذة وبعد مضي فترة قصيرة في أول مواجهة مع الجنرال الأمريكي “ديفيد بتريوس” في العراق حرم النوم من جفون الجمهوريين ومع مرور الوقت أفشل جميع خطط الولايات المتحدة للمنطقة الإسلامية.

55%d9%8a

لقد دخل الجنرال قاسم سليماني إلى المعركة في المشهد العراقي معتمداً على أساسيات الحرب الناعمة المبنية على أسس فكرية ثورية، وعكس الأفكار المتداولة شعبياً قام سليماني بإيقاظ الطاقات الموجودة في العراق مثل التيار الصدري الذي إنطلق من النجف الأشرف ورفع راياته وبمرور الأيام ضيق الخناق على الأمريكيين، وهو طبق خطة العمل هذه مع الأكراد والعرب السنة حيث زرع بينهم بذرة الصحوة و طلب الإستقلال عبر تحفيز هؤلاء على إظهار طاقاتهم وإمكاناتهم الكامنة، وفق هذا المنهج صعب الجنرال الإيراني من مهمة القوات الأمريكية ومع مرور الأيام إرتفع نسبة قتلى الجنود الأمريكيين على أيدي المجموعات الشيعية والسنية والكردية وحتى تنظيم القاعدة، وهذه كانت إحدى الأسباب التي دفعت الجنرال بتريوس خلال إستجوابه في الكونغرس إلى القول بأنه يحارب في مواجهة قاسم سليماني وليس العراقيين أو أحد آخر!

لقد كان قاسم سليماني عارفاً بجميع خبايا العراق والقضايا المتعلقة به فهو شارك في حرب السنوات الثمان بين إيران ونظام صدام حسين وكان عضواً نشطاً في قوات التعبئة الشعبية “البسيج”؛ لكن جر الربيع العربي إلى سوريا الآمنة والمستقرة أكد زيف الحركة أمام الرأي العام الإقليمي والدولي لأنها لم تكن تحمل صبغة شعبية أو ثورية أو مدنية بل مجموعات من التمردين المغامرين، إلا أن تعاطي طهران هذه المرة كانت أكثر جدية وعلى ضوء نجاحاتها في العراق (وبعد التفجير الإنتحاري في مكتب الأمن القومي بدمشق والذي راح ضحيته عدد من كبار المسؤولين الأمنيين) هبطت مروحية سليماني في دمشق إيذاناً بالدخول في المشهد السوري، وذاق السوريين الأمرين بعد ظهور مجموعات عسكرية تكفيرية بضواحي العاصمة دمشق وبخاصة أطراف منطقة السيدة زينب “ع” ما دعى الشباب الغيارى للتحرك لمواجهة المد التكفيري والدفاع عن مقام أبنة الخليفة الرابع الإمام علي بن أبي طالب “ع” والإنخراط في ماعرف لاحقاً بإسم “مدافعين المقام”، لقد كان “مدافعين المقام” مجموعات شبه عسكرية ذات طابع دفاعي ولكن مع مرور الأيام تحولات إلى ثقافة لمحاربة التكفيريين وتصدروا عناوين الصحف الإقليمية والدولية ومع مرور الزمن تمكن هؤلاء بالتعاون مع حزب الله اللبناني حصر الحرب من كافة أنحاء البلاد إلى المناطق الشمالية وتحديداً محافظة حلب الإستراتيجية.

من الإنجازات التي تحسب للجنرال سليماني تشكيل مجموعات المقاومة الشعبية ذات البعد الإيديولوجي كجيش المهدي الجناح العسكري للتيار الصدري في العراق، على أن النقطة الأبرز في هذا الصدد كان تحرك علماء الدين الذين أدركوا مبكراً التهديد الداهم وإرتدوا لباس القتال لمواجهة التيارات الإنحرافية التكفيرية وكانوا السند القوي للمقاومة الشعبية إلى جانب الجنرال قاسم سليماني كما هو الحال مع أنصار حزب الله في العراق، الفاطميون أو الحشد الشعبي الذي أظهر براعة منقطعة النظير ضد عصابات داعش الإجرامية في الموصل. هؤلاء كانوا أنباء وشعوب البلدان الإسلامية الذي شعروا بتهديد الإرهاب الداعشي وأعربوا عن إستعدادهم لمواجهتهم. على أن إدارة وتعبئة هذه الإنتفاضات لم تكن من قبل بغداد أو موسكو أو دمشق … وإنما كان يدار دفة المقاومة الشعبية عبر تيار عظيم وضع أسسه السليماني، تارة بإشراف وحضور مباشرين وأخرى بشكل غير مباشر.

جميع هذه التحركات الدفاعية للإيرانيين في العراق وسوريا كانت في وقت تعيش فيها الجمهورية الإسلامية تحت عقوبات دولية كبيرة، نشاطات قائد فيلق القدس في الحرس الثوري أثارت إعجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تصله تقارير يومية حول الصراع الدائر في المنطقة، وهذا ما دفع الروس لترتيب لقاء بين بوتين وسليماني هو الأول من نوعه بين الرجلين وإستمر لما يقارب الساعتين اطلع خلالها المسؤول الإيراني الرئيس الروسي على المعلومات الدقيقة التي كانت بحوزة سليماني عن الساحتين السورية والعراقية وخطة عمل الولايات المتحدة، وهذا ما دفع بوتين للتصريح في إحدى المرات بأن المبررات التي ذكرها سليماني خلال لقاءه دفعه للتدخل الجوي في سوريا ضد الإرهابيين الدواعش وإنشاء غرفة عمليات مشتركة لإدارة الحرب وتنظيم العمليات والتقدم البري وفق الخطة الشاملة التي وضعها سليماني بإختيار مشاوري الرئيس الأسد.

55%d8%b3

في المراحل الأخيرة من الحرب على الإرهاب أشرف سليماني على 3 ميادين الموصل بالعراق وحلب في سوريا والحرب على تنظيم القاعدة في اليمن، وبلغ الأمر لدرجة أشيع بان الأمريكيين صرحوا بأنه إذا لم نقف أمام السليماني فإنه سوف يتواجد في المعسكرات النظامية بالأردن وليبيا وهذا ما دفع غرف العمليات المشتركة بين الإستخبارات الصهيونية بمساعدة من بعض الدول العربية على إغتياله أينما وجد حتى داخل إيران نفسها، لقد أصيب سليماني بإحدى المرات بجراح طفيفة في سوريا نقل على إثرها سريعاً إلى طهران. لقد كان المسؤولين الأمريكان يولون أهمية قصوى للجنرال سليماني ليس لدوره في الميادين فحسب بل تأثيره على المفاوضات النووية مع إيران فعندما كان مجال المناورة تتقلص بوجه المفاوضين كانوا يلوذون بالجنرال سليماني وخططه في ساحات المعارك في سبيل إخضاع مجموعة 5+1.

لقد دغدغ الجنرال قاسم سليماني أحاسيس شعوب المنطقة وأعاد إليها الأمل والدافع التاريخي لإنقاذ بلادهم ومنطقتهم من لدغات مستقبلية محتملة من جهات أجنبية وأسس نظرية جلب النظم من الأسفل إلى الأعلى يستطيع عبرها الطبقات الشعبية والأهلية بمساعدة نشطاء من البلدان المجاورة لقطع الطريق حول أية تغييرات بالخريطة السياسة ومنع إسقاط الأنظمة من الخارج. إن نجاح إيران في المفاوضات النووية المضنية مع الدول الست القوية اعطى الأمل لبقية البلدان والمجتمعات النامية بأنهم يستطيعون الدفاع عن حقوقهم والجلوس على طاولة الحوار لخوض نزاع ديبلوماسي والإنتصار عليهم.

إن قائد فيلق القدس كان أحد العوامل الرئيسية لخروج القوات الأمريكية من العراق وإنقاذها من التقسيم بالإضافة لدوره المحوري الذي يشهد له القاصي والداني في سوريا، وهو الآن يركز إهتمامه على إفشال خطط الغربيين لمضيق باب المندب الإستراتيجية عبر التواجد الإستشاري وشبه العسكري في اليمن.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن بعد إحتواء التقسيم المفروض وفق معاهدة سايكس بيكو وإلحاق الهزيمة بالنظام الإقليمي الجديد الذي أعده منظرين بارزين وأثرياء وول ستريت، ماهي الخطة التي تدور في ذهن الجنرال سليماني للشرق الأوسط؟ هل تنص على الإحتفاظ بإستقلال ووحدة أراضي بلدان المنطقة على وضعها الراهن أم سيضيف حدود جديدة للهلال الشيعي بخاصة و أننا شأنا أم أبينا على أعتاب حرب عالمية صغيرة في منطقة الخليج إثر فشل الحروب بالوكالة عبر أدوات الإرهاب الإسلامي. ماهي البرامج التي بحوزة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتطبيقها في ساحات الصراع بعد تولي الجمهوريين المشربين بالروح العسكرية السلطة في الولايات المتحدة وفي ظل إمتلاكها العديد من الشخصيات من أمثال الجنرال قاسم سليماني؟ هل الأجنحة السياسية الموجودة في إيران بما فيهم الإصلاحيين مدينين لهؤلاء الجنرلات؟ هل تاريخ إيران المعاصر يدين بالولاء لمثل هذه الكوكبة من الجنود المخلصين للنظام؟

یاسر محسنی
كاتب و باحث

55%d8%b4

Author

أفغانستان

الإرهاب

الحرس الثوري الإيراني

الشرق الأوسط

العراق

داعش

سوريا

قاسم سليماني


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.