على السعودية أن تسمع: مصر لن تركع

22 أكتوبر 2016

تباين بدا واضحا في المواقف وتباعد لم يعد خافيا بين مصر و السعودية، بل خرج إلى الملأ بعد محاولات لابقاء الخلافات طي الكتمان، وهذا ما أكده وزير الخارجية المصري معلنا وجود خلافات مع الرياض. ورغم ان الخلافات قديمة لكنها ظهرت مؤخرا وكان تصويت القاهرة لصالح مشروع قرار روسي في مجلس الأمن بشأن سوريا الشعرة التي قسمت ظهر البعير واثارت غضب الرياض التي اعلنت بعد ذلك وقف امدادات البترول الى مصر.

ومما لا شك فيه ان رسم سياسات الدولة هو قضية سيادية لا يحق لأي جهة أو دولة أخرى التدخل فيها، وهو ما لا تستطيع السعودية تقبله بل وتريد من دولة لها تاريخها ودورها كمصر ان تصبح تابعا لسياستها مقابل بعض المساعدات، لكن المصريين يرفضون بيع مصر لآل سعود بل يحاولون تفعيل دورها في المنطقة.

ومن المعروف ان العلاقات بين اي دولتين تقوم على اساس المصالح المشتركة ومقتضيات الأمن القومي، ومن الطبيعي ان تبنى على اساس الندية وليس التبعية، وهو ما ترفضه السعودية في علاقتها مع مصر مستغلة وضعها الاقتصادي الراهن، في المقابل ينظر الساسة في القاهرة الى مصلحة البلاد على المدى البعيد ويرسمون سياسات تلبي مصالح الدولة حتى وان كانت تغضب ملوك الرياض وتقطع المساعدات المشروطة.

مصر هي مصر عندما تكون مستقلة ولن تعود الى مكانتها ولن تستعيد دورها في حال خضوعها لسياسات السعودية ومشاريعها المدمرة في اليمن وسورية والعراق ولبنان وغيرها من الدول العربية. فمع فشل السعودية في اليمن وفي سوريا وفي العراق بدأ دورها يتراجع في المنطقة، وحتى أنها أخذت تتحول الى دولة منبوذة لدى الشعوب العربية بسبب قيامها بأدوار هدامة والتدخل في سياسات الدول الاخرى والكثير من شؤونها الداخلية من خلال فرض شروطها مقابل المساعدات والمسارعة لاستجلاب التدخل العسكري الاجنبي وتدويل القضايا التي يمكن حلها داخليا أو عربيا وبطريقة سياسية، في المقابل مصر التي تحاول النهوض لم تتدخل في اي دولة عربية بشكل مباشر او غير مباشر، بل حاولت عادة المساعدة او لعب دور الوسيط من أجل الخروج بحلول للأزمات التي تعصف بكثير من الدول العربية.

وفي وقت يتحدث البعض عن خيانة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للسعودية أو عدم الوفاء للرياض يغيب عن اذهانهم ان مصر هي دولة عريقة لها كيانها وتاريخها وليست احدى مدن السعودية، ومن يقول ان تصويت مصر تأييدا للاقتراح الروسي غير مؤثر وكان من الافضل للقاهرة ان تمتنع عن التصويت مراعاة للسعودية يطلب ضمنيا ان تتخلى مصر عن مواقفها لارضاء الرياض وان تدفن ارادتها في وحل آل سعود، لأن التصويت المصري هو تعبير واضح للوقوف الى جانب الدولة الشقيقة سوريا ودعمها ضد داعش وأخواتها.

والمفارقة التي يجب الوقوف عندها: لماذا لا تراعي السعودية سياسات مصر؟ اذا كان الجواب لأن السعودية دعمت مصر اقتصاديا فهل أصبحت مواقف دولنا تشترى وتباع؟ وهل كان الدعم السعودي يهدف الى شراء مواقف مصر وفرض المواقف السعودية عليها حتى لو كانت ضد مصالحها؟ قد يمكن القول ان مصر تماشت مع السعودية الى حد بعيد، لكن لم تعد القاهرة قادرة على تحمل اخطاء الرياض، حرب على اليمن لم تجلب الا القتل والتدمير والمزيد من عدم الاستقرار، مواصلة المساعي من قبل حكام ال سعود لدفع بعض الدول كامريكا ومن معها للتدخل العسكري في سوريا واسقاط النظام فيها، واستمرار دعم التكفيريين والارهابيين، وكذلك التدخل المستمر في العراق ودعم التحركات المناهضة للحكومة بمافيها داعش، وهذا ما ترى فيه مصر تهديدا لأمن المنطقة واستقرارها.

ومن اسباب الخلافات يمكن الاشارة الى مشاركة مصرية رفيعة في مؤتمر غروزني في العاصمة الشيشانية الذي لم يعتبر الوهابية من أهل السنة والجماعة، وهذا ما يعتبر صفعة قاسية للرياض. وكذلك تحسن المشهد بين مصر وايران هو احد القضايا التي تزعج السعودية ولا يمكن ان تتغاضى عنها، لأن صناع القرار في الرياض يعتبرون ان اي علاقات بين ايران ومصر من شأنها أن تهدم ما أسسته السعودية خلال سنوات متمادية من خلال تجييش الاعلام وضخ الاموال لبث فكرة ما تسميه الخطر الايراني وانتهاج سياسة التخويف من ايران وتهويل ما تسميه الامتداد الشيعي لدى الرأي العام العربي في ظل تعتيم كبير على ان عشرات الملايين من المواطنين العرب هم مسلمون شيعة بالأساس، لكنها تبني علاقتها مع اسرائيل التي يفترض ان تكون العدو الأول للأمة العربية والاسلامية.

وفي النتيجة، مصر اختارت ان تؤسس محورا جديدا مع روسيا وايران والعراق وسوريا مقابل المحور الأمريكي السعودي التركي القطري، محور يدعو الى حلول سلمية سياسية لأزمات المنطقة على خلاف المحور الآخر الذي طالما سعى ولا يزال للتدخل عسكريا في دول المنطقة. وفي نهاية المطاف لا يمكننا إلا أن نقول ان لمصر “أم الدنيا” رؤيتها وقرارها ولها موقفها، وعلى الجميع أن يحترمه، وهذا الموقف يحظى بتأييد الشعب المصري ودعمه، هذا الشعب الذي وقف ولا يزال خلف قيادته ورفع شعار “مصر لن تركع”، مصر لن تركع.

Author

أنا خريج توكتوك

السعودية

السيسي

القاهرة

مصر


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.