زعيم طالبان افغانستان الجديد “ملا أختر منصور”
ينظر إلى التعيين السريع للملا أختر منصور “المعتدل” خليفة للملا عمر على رأس حركة طالبان الأفغانية، باعتباره انتصارا لباكستان “العرابة” التاريخية للحركة التي تشجعها على خوض مفاوضات السلام مع كابول، رغم خطر تقسيمها. المقالة التالية تسلط الضوء على تداعيات وفاة الملا عمر واختيار خليفته بهذه السرعة.
“انتصرت باكستان” هذا ما قاله اليوم الجمعة عبر الهاتف أحد قادة طالبان أفغانستان وهو لا يزال تحت الصدمة بعد يوم من إعلان الحركة الإسلامية وفاة زعيمها التاريخي الملا عمر ومن ثم وعلى عجل تعيين خليفة له.
وأعلنت قيادة الحركة صباحا، أنها اختارت الملا “أختر منصور” المقرب من الملا عمر والمعروف باعتداله خليفة له بعد أن كان قائدا للعمليات منذ سنتين.
كما تم تعيين مساعدين له هما “الملا هيبة الله أخوندزاده” الوجيه الديني المتنفذ و”سراج الدين حقاني” الزعيم الشهير لشبكة حقاني والمعروف بقربه من تنظيم القاعدة ومن باكستان.
وأكد عدد من قادة طالبان أن الملا منصور ومساعديه يعتبرون “مقربين” لا بل “مقربين جدا” من باكستان.
ذراع لاستخبارات باكستان؟
وتقبلت باكستان تعيين الملا أختر منصور دون اعتراض.
وقال الجنرال الباكستاني في الاحتياط محمود شاه إن “منصور يقود طالبان منذ سنتين وقام بعمل جيد، وهو لذلك قادر على خلافة الملا عمر. وربما يكون حتى أفضل منه”.
ويقود سراج الدين حقاني شبكة تعتبر مقربة من باكستان إلى درجة أن الجيش الأمريكي وصفها في 2011 بأنها “الذراع المسلحة لجهاز الاستخبارات الباكستاني” القوي.
أما “هيبة الله أخوندزاده” فأوقفته القوات الباكستانية “للصدفة المحرجة” لفترة وجيزة قبل عشرة أيام في مخبئه في كويتا جنوب غرب باكستان.
وقال كادر من طالبان يتخذ موقفا متشددا من باكستان تعليقا على ذلك “نعتقد أن باكستان واستباقا منها لخلافة الملا عمر، أوقفته لإعطائه توجيهات حول الوضع لاحقا”.
والوضع اللاحق هو مفاوضات السلام المنتظرة منذ فترة طويلة بين طالبان وكابول بعد نزاع مستمر منذ 13 سنة. وشهدت هذه المفاوضات تقدما بداية تموز/يوليو مع أول اتصال رسمي مباشر بين الجانبين في موري في باكستان بحضور ممثلين عن الصين والولايات المتحدة.
السياسة المزدوجة لباكستان!
دعمت باكستان ولفترة طويلة في السر الحروب التي خاضتها طالبان في أفغانستان حتى بعد تحالفها مع الولايات المتحدة بعد 2001، في سياسة مزدوجة أقر بها رئيسها السابق برويز مشرف السنة الماضية.
ولكن المعطيات الجغرافية السياسية في المنطقة تغيرت خلال الأشهر الماضية وازدادت الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة التي تستعد لسحب آخر قواتها من أفغانستان في 2016، والصين المستعدة لاستثمار مليارات الدولارات في أفغانستان وباكستان مع فتح منفذ على بحر العرب. فواشنطن وبكين تريدان دفع إسلام آباد لجلب طالبان إلى طاولة الحوار.
وفي أفغانستان ساهم في ذلك انتخاب الرئيس أشرف غني المستعد لقبول مساعدة باكستان للتفاوض مع طالبان والقلق الدولي من تقدم طالبان وظهور فصائل محلية لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
بالتالي بادرت باكستان ونظمت عملية (موري) المقرر عقد جولة محادثات ثانية فيها نهاية الأسبوع.
في هذا السياق أعلنت الحكومة الأفغانية الأربعاء نبأ وفاة الملا عمر فكان النبأ بمثابة قنبلة بالنسبة لطالبان التي كان أعضاؤها يجهلون ذلك خارج الدائرة المحدودة للملا منصور. وبعد أقل من يومين بويع الأخير خلفا له.
وقال “رحيم الله يوسفزاي” الصحافي الباكستاني المتخصص في حركة طالبان إن الملا منصور “لعب دورا فاعلا في
تنظيم مباحثات” موري. وفي السياق الراهن، فإنه “مناسب تماما لكابول وإسلام آباد”.
انقسام الحركة وشبح تنظيم “الدولة الإسلامية”!
وتدعم هذه المعطيات الاعتقاد بأن باكستان قامت بترتيب كل شيء وهذا الأمر لا يروق لبعض كادرات طالبان المعارضين للملا منصور. ويقول أحد هؤلاء “لقد كتمت القيادة نبأ وفاة زعيمنا منذ سنتين وقامت بنشر بيانات باسمه. بعضنا يشعر بأنه خدع وهذا يعزز الشكوك بأن باكستان تتلاعب بالحركة”.
ولكن هل يعني هذا أن الحركة مهددة بالانقسام؟ الأمر غير مطروح في الوقت الحالي، كما يقول أحد كادرات طالبان مبديا أسفه لدور باكستان النافذ، ويضيف “الولايات المتحدة والصين وحتى السعودية، إحدى حلفائنا التاريخيين، تؤيد عملية السلام التي أطلقتها باكستان. حتى الطالبان المعارضين لهذه العملية سينتهون بقبولها لأنهم لا يريدون أن يجدوا أنفسهم في عزلة تامة”.
ومنذ الجمعة بدأت تعلو أصوات داخل طالبان ضد عملية الخلافة التي اعتبرت متسرعة ومنحازة وغير متماشية مع العرف المتبع. ولا شك أن تنظيم “الدولة الإسلامية” خصم طالبان الجديد سيسعى إلى استغلال حالة عدم الرضا مع بدء انتشاره في المنطقة.