العربیه

بالدليل .. “دونالد ترامب” يعتزم رفع العقوبات الأمريكية عن السودان

تسعة عشر عاماً مضت، والحال كما هو عليه، منذ أن أصدر (بيل كلينتون)، الرئيس الأمريكي الأسبق، قراره الذي تم بموجبه تجميد الأصول المالية السودانية، وحظر الأنشطة الاقتصادية بكافة أشكالها مع دولة السودان، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وبعد مرور تسعة أعوام على قرار كلينتون قام (جورج بوش)، الرئيس الأمريكي السابق، بتوسيع دائرة العقوبات في العامين (2006م و2007م) في إطار حملات عُرفت وقتها بتجفيف منابع الإرهاب، ومنذ عام 1997م وحتى اللحظة الراهنة ظلت الولايات المتحدة الأمريكية تجدد العقوبات الاقتصادية على السودان، بسبب المبررات التي ارتكزت عليها في قراراتها، إلى جانب استمرار الحرب في إقليم دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان، إضافة إلى وجود قضايا عالقة مع دولة جنوب السودان، على رأسها النزاع على منطقة (أبيي)، وعدد من القضايا الأخرى، ومنذ ذلك الوقت، ظل السودان يعاني من سياسات الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من دول المنطقة، وخسر مليارات الدولارات بطريقة مباشرة وغير مباشرة.

ومنذ ثماني سنوات، ظلت سياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه السودان ثابتة سوى من بعض الوعود، الأمر الذي جعل السودان ينتقد سياسة أوباما تجاهه، ولكن الواقع الماثل يؤكد أن مواقف الخارجية الأمريكية التي ظلت تعلنها تجاه السودان طوال الفترة الماضية، ليست معزولة عن سياسات الدولة العامة تجاه السودان، فضلاً عن أنها تعبر عن جهود الصقور الأمريكية الداعمة لعدم التقارب مع الخرطوم، وبالنظر للعلاقات بين البلدين، خلال ثلاثة عقود، فإنه لم تحدث تغييرات جذرية في الموقف الاستراتيجي الأمريكي تجاه السودان، ويعود ذلك إلى اختلاف النظام الأمريكي مع (الأيديولوجيا) التي يتبناها النظام الحاكم في الخرطوم.

الآن، يبدو جلياً أن غلبة الصقور داخل إدارة أوباما فيما يتعلق بالسياسة تجاه السودان، جعلها تنتصر في كل معاركها الخارجية الاستراتيجية والتكتيكية على الرغم من إيفاء السودان بالمطلوبات الأمريكية للتطبيع، غير أن بعض المراقبين يرون أن ماكنيزمات العلاقات السودانية الأمريكية عديدة، وأبرزها القيم الإنسانية التي تدعو لها دول العالم الأول، إذ تنظر، بعضها، إلى أن السودان بعيد كل البعد عن تلك القيم المتمثلة في (الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات والحكم الراشد وإيقاف الحروب)، فيما ترى بعض الدول الأخرى أن السودان بحاجة إلي بذل مزيد من الجهد لترسيخ تلك القيم.
الهبوط الناعم خيار أمريكي

بحسب بعض المهتمين بعلاقات البلدين، فإن الرئيس أوباما ما زال يزعم أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السودانية لا تزال تمثل سياسة معادية لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتشكل تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية، الأمر الذي يحتم على الخرطوم مراجعة علاقاتها مع واشنطن، التي تمضي هي الأخرى، إلى القيام بدور محوري وأساسي في عملية التحول التي تريد القيام بها مستقبلاً في السودان، وربما هذا ما دفع المراقبين لمطالبة الحكومة السودانية بإيجاد حل تفاوضي شامل، وفقاً لعدالة انتقالية وإرساء للقوانين والحكم الرشيد واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكون ذلك يتسق مع ما تدعو له الإدارة الأمريكية.

تشير المتابعات إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ليست لديها نية لرفع العقوبات عن السودان، رغم الشائعات المتزايدة حول إمكانية اتخاذ قرار بهذا الخصوص. وتقول بعض المصادر إن الرئيس أوباما يعتزم استخدام العقوبات لإجبار الخرطوم على تقديم التنازلات اللازمة وإقناع جماعات المعارضة المسلحة لتوقيع اتفاق سلام يؤدي إلى رفع الحصار الاقتصادي المضروب على البلاد، ولم يعلق الرئيس أوباما بنفسه علناً بشأن السودان أو قضية العقوبات، كما أنه لم يطرح القضية خلال المؤتمرات الصحفية في البيت الأبيض، وهذا لا يعني أن الرئيس ومستشاريه لا يضعون القضية في الاعتبار، بيد أن الصمت يمكن أن يُفسر على أنه ليس هنالك أي تغيير في موقف الإدارة الأمريكية تجاه السودان، ومن المرجح أن يتم تمرير قضية تغيير السياسة الأمريكية تجاه السودان إلى إدارة الرئيس القادم دونالد ترامب.

وقبل نحو عامين تقريباً، اعترفت إدارة أوباما بالجهود التي تبذلها الحكومة السودانية، وألمحت إلى إمكانية رفع العقوبات عن السودان، وفي تقريرها السنوي حول الإرهاب العالمي في عام 2014م، أشارت وزارة الخارجية الأمريكية إلى معارضة حكومة السودان لتمويل العناصر المتطرفة.. وأن بنك السودان المركزي ووحدة استخباراته المالية وزعا على المؤسسات المالية قائمة بأسماء الأفراد والكيانات التي أُدرجت في القائمة الموحدة للجنة العقوبات (1267) التابعة للأمم المتحدة، فضلاً عن قوائم الحكومة الأمريكية للمنظمات الإرهابية والممولين الإرهابيين، وتم تجريم تمويل الإرهاب في قرار الأمم المتحدة رقم (1373) في السودان وفقاً لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال السوداني لعام 2003م، كما أن الحكومة واصلت التعاون مع مجموعة العمل المالي، واتخذت خطوات للإيفاء بالمعايير الدولية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، واعتمدت، في عام 2014م، قانون مكافحة غسل الأموال وقانون مكافحة تمويل الإرهاب وصادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، واستمر السودان في التعاون مع الولايات المتحدة بشأن التحقيق في الجرائم المالية المتعلقة بالإرهاب.

وفي الضفة المغايرة، لم يعلق الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، علناً على السودان أو العقوبات الأمريكية ضده منذ انتخابه رئيساً، ورغم ذلك، سيظل السؤال يبحث عن إجابة: هل يمكن أن ينهي ترامب العقوبات الأمريكية ضد السودان؟ وهنا يبرز أحد الأدلة التي تشير إلى أنه ربما يفعل ذلك، من خلال التوقعات التي تحدثت عن احتمال تعيين (جي بيتر فام) كوكيل للشؤون الأفريقية، وقد تساءل فام، الذي يشغل حالياً مدير مركز أفريقيا في المجلس الأطلسي في واشنطن، عن الحاجة لفرض عقوبات، وفي يونيو الماضي قال فام؛ إن الولايات المتحدة تحتاج لانخراط أكثر وليس أقل مع السودان، وقال في مقالة له عن السودان: “إن أمريكا لديها عدد من القضايا المعلقة التي تحتاج فيها لتوسعة الحوار مع السودان، وبحث فرص يمكن من خلالها إشراك كل متحاوري النظام وممثلي المعارضة السياسية والمجتمع المدني والجماعات الدينية والقطاع الخاص، بينما العلاقات الأمريكية السودانية كانت في كثير من الأحيان تمر بأوقات صعبة خلال أكثر من عشرين عاماً منذ تصنيف الدولة الأفريقية دولة راعية للإرهاب، فإنه من الصعب في الوقت الحاضر أن تجادل بشكل مقنع أن الأسباب التي دفعت إلى ذلك التصنيف مازالت باقية”.
خسائر مالية ولكن شملت العقوبات الأمريكية قائمة طويلة من الصادرات والواردات، وقيّدت التحويلات المالية منه وإليه، ورغم عدم وجود إحصاءات دقيقة عن إجمالي الخسائر التي تعرض لها السودان جراء العقوبات، فإن مصادر سودانية قدرّت إجمالي الخسائر بنحو (500) مليار دولار، وتقدّر الخسائر غير المباشرة التي يتكبدها السودان جراء العقوبات بأربعة مليارات دولار سنوياً، وبحسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2013م، فإنه من جملة الاستثمارات العربية البالغة (676) مليار دولار في عام 2012م لم يستطع السودان جذب أكثر من ثلاثة مليارات دولار، ويبلغ الاستثمار حوالى 19.8 % من الناتج المحلي، كما خرج القطاع المصرفي السوداني من المنظومة المالية العالمية بسبب العقوبات التي تشمل أيضاً منع تصدير التكنولوجيا والحجز على الأصول السودانية، وتقدر خسارة النظام المصرفي في السودان من عام 1997م إلى 2014م بحوالى تسعة مليارات دولار.

بدر الدين محمود، وزير المالية والاقتصاد الوطني، كشف عن تداوله في شأن العقوبات المفروضة على السودان مع مساعد وزير الخزانة الأميركية، مشيراً إلى تعديل سيطرأ على قانون الإرهاب لمساعدة السودان في محاربة تهريب البشر. وأشار إلى قرار مرتقب برفع النظر الأميركي عن استيراد قطع غيار الطائرات والقاطرات، وتوقع رفع العقوبات بحلول ديسمبر القادم. وقال محمود إن واشنطن ستسمح قريباً باستيراد قطع غيار الطائرات والقاطرات، وإن تحسناً ملحوظاً طرأ على العلاقات السودانية الأميركية، من خلال اللقاءات التي تمت في الاجتماعات السنوية مع صندوق النقد والبنك الدوليين.
تفاؤل الوزير وبشريات ديسمبر
بدا وزير المالية أكثر تفاؤلاً من أي وقت مضى، وأوضح أن المجهودات التي بذلتها الحكومة السودانية أدت بدورها “إلى تخفيف الحظر المصرفي ورفع العقوبات مستقبلاً، وتحديداً، رفع العقوبات الاقتصادية على السودان، في شهر ديسمبر الحالي”، وأشار إلى أنه أجرى العديد من اللقاءات على هامش الاجتماعات، بينها الاجتماع برئيس البنك الدولي وبحث القضايا والأوضاع الاقتصادية، إلى جانب موضوع اللاجئين الذي يشكل ضغطاً على الاقتصاد، مشيراً إلى اجتماعه مع مفوضية اللاجئين لمعاونة السودان في العمل على رصد وإحصاء اللاجئين.
تأثر قطاع الطائرات والقطارات
وكانت الخطوط الجوية السودانية من أكثر الجهات المتضررة من هذه العقوبات، إذ حُرمت بسببها من الحصول على قطع الغيار والصيانة الدورية لطائراتها، الأمر الذي أدى إلى بقاء معظم أسطول طائراتها رابضاً في أرض مطار الخرطوم، وتعرض قطاع السكك الحديدية لخسائر بالغة بسبب العقوبات، وفقد 83 % من بنيته التحتية، وتأثر أكثر من ألف مصنع بشكل مباشر بالعقوبات، كما حرمت العقوبات السودان من الأجهزة الطبية والأدوية والمستحضرات الأمريكية.
فقدان التمويل
فقد السودان الغطاء الدولي للاستثمار بفقدان أي فرص للتمويل الدولي من المؤسسات المالية الدولية أو الإقليمية، بعد التزام أغلب الدول بالقرار الأمريكي، خاصةً دول الاتحاد الأوروبي، مما شكل أزمة بالغة الصعوبة داخل الاقتصاد السوداني، وإلى جانب ذلك تأثر السودان أيضاً بسبب سيطرة أمريكا على المؤسسات المالية الدولية، فهي التي تسيطر على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبرامج الأمم المتحدة واليونسكو ومنظمة التجارة العالمية، التي قدم السودان طلبه للانضمام إليها منذ عام 1994 وإلى الآن لم يقبل.
محاولات سودانية
قام السودان بمحاولات عديدة لتجاوز الأزمة الحالية الناتجة عن الحظر الاقتصادي، وربما نجحت هذه المحاولات في صناعة ثقوب بهذا الحظر كانت متوافقة مع مصالح عدة شركات أمريكية عن طريق الضغط لرفع الحظر عن بعض الأنشطة الاقتصادية للسودان، كالتلويح بوقف تصدير الصمغ العربي إلى الشركات الأمريكية، الذي يعتبر مادة خام في الصناعات الدوائية، حيث إن السودان ينتج 80 % من الصمغ العربي في العالم، ما أدى لرفع الحظر الأمريكي عن تصديره حتى لا تتضرر الصناعة عالمياً، فيما استثنت الولايات المتحدة، أيضًا، بعض الأنشطة التجارية المتعلقة بالزراعة والقطاع الصحي، ولكن من خلال الواقع الراهن فإننا نرى كلما حققت الخرطوم شروط الولايات المتحدة في جانب من أجل رفع العقوبات الاقتصادية، تنصلت الولايات المتحدة من وعودها بدعاوى جانب آخر، الأمر الذي يحتم على الطرفين وضع النقاط على الحروف من أجل الوصول إلى تفاهمات مشتركة تقود إلى حلول نهائية، وما لم يحدث هذا فإن المجهودات الكبيرة التي بذلتها الحكومة السودانية بشأن الحظر الأمريكي ورفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، ستظل أشواقاً سودانية تحاصرها أشواك الصقور الأمريكية التي ترفض تطبيع العلاقات مع السودان.

Author

Exit mobile version