الإمام الخميني.. مؤسس الجهاد الإسلامي الشامل

6 يونيو 2016

إن الإمام الخميني، قائد الثورة الإسلامية في إيران ومؤسس النظام الذي بات على أعتاب الاحتفاء بالذكرى 40 لتأسيسيه يعتبر واحداً من الباحثين العظماء على مر التاريخ؛ فالسيد روح الله الخميني وبعد تعاقب الحكومات الأموية والعباسية والعثمانية في التاريخ الإسلامي أسس نظام قائم على المصادر الفقهية والرموز الدينية مشابه للجهاز التنفيذي للشريعة الإسلامية بعد صدر الإسلام وإلى حد كبير لما كان عليه الأمر إبان حكم الخلافاء الراشدين الأربع، ومن جهة نظر دينية ونظرية فإن “ولاية الفقيه في عصر الغيبة” هو بالضبط جوهر الشيعة النظام القانوني.

6

كما أن الثورة الإسلامية الإيرانية وبعد إنقضاء مراحل تشكيلها الأولية دخلت عالماً من المواجهة وفي حين أنها حامل لواء جبهة المقاومة الإسلامية في منطقة غرب آسيا فهي عضو بارز في حركة المقاومة الإقتصادية التي تتخطى دائرتها حدود قارة آسيا، ناهيك عن المقاومة النووية التي جعلت منها نداً للبلدان الست الكبرى في العالم، ومن أجل هذا كله فإن المفكرين في عصرنا الراهن يعتبرون لقب القائد والإمام يليق بالسيد روح الله الخميني.

فالإمام الخميني وإلى جانب تسلطه العلمي والفقهي على مصادر الإجتهاد الديني كنا متأكداً بأن جذور ثورة القرن العشرين آخذة في التمدد بناء على الأوضاع السياسية والعلمية الراهنة، لذلك فإنه عمل على تعريف إستراتيجيته للقيادة بعد إنتصار الثورة الإسلامية فلم يشرع في عملية عزل ونصب شاملة بل عمد إلى إستقطاب الطاقات وتدريب الكوادر البشرية المحيطة به وفق معايير قانونية مقبولة وهذا بالضبط ما عزز شخصيته الروحية البعيدة عن الشعارات الفضفاضة وكانت سبباً أساسياً في بقاء النظام الإسلامي.

إحدى المحركات الاستراتيجية للامام الراحل كان إستمرار “الجهاد” بعد إنتصار الثورة الإسلامية، بمعنى أنه واظب على إعلان الجهاد في مختلف المجالات جهاد البناء و جهاد الزراعة و جهاد التعليم و الجهاد الثقافي… فلم يختصر مفهوم الجهاد بمعناه المتدوال وهي الحرب ولكنه وسع من دائرة هذه الكلمة بخاصة بعد إنتهاء الجهاد الشعبي في الحرب حيث عمد إلى إطلاق جهاد من نوع آخر فاجئ بها الأنظمة الإسلامية في العالم الإسلامي وهو “الجهاد الفكري الناعم” في المجالات الإقتصادية والثقافية والعملية، الأمر الذي كان الأخوان المسلمين والأتراك والجزائريين وباقي التيارات الإسلامية عاجزين منها. في الحقيقة فإن الإمام الخميني وضع أسس جهاد إسلامي من نوع آخر في عصرنا الحاضر تمخض عنه الجهاد الرقمي والجهاد الإعلامي والجهاد النووي والجهاد الإقتصادي و…. مما جعل من إيران رأس حربة لكشف الأطراف الأصلية للحرب وعملائهم ومرتزقتهم في الصراعات التي نشهدها حالياً.

من الإنجازات المصيرية الأخرى لقائد الثورة الإيرانية إثارته شعار (لاشرقية – لاغربية) حيث طبق هذا الشعار بشكل ذكي وعملي على أرض الواقع بمعنى أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تعد حليفاً للإمبريالية الأمريكية كما أنها ليست في زمرة النظام الشيوعي السوفيتي، وهذا النهج مستمر ليومنا هذا فإيران ليست تحت سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية فحسب بل كما بات الجميع مدركاً فهي تخوض صراعاً شرساً معها وقد أظهرت قدرة أكدت معها أنها لاتحتاج إلى تفويض شرقي من روسيا لابل أنها ضمتها إلى محور المقاومة بمفهومه الواسع، فشعار لاشرقية ولاغربية يكمن في الشخصيات البارزة التي إكتشفها الإمام الخميني ووضعها في أماكن تليق بهم.

ربما اليوم ومع دراسة سطحية على مستوى المنطقة وآسيا نرى أن البلدان المجاورة والمحاذية لأيران تشهد أوضاع فظيعة ومروعة يسهم جهات محددة على إدارتها وإستمرارها في بلدان مثل العراق وأفغانستان وتركيا والسعودية؛ لكن بين هذه البلدان المضطربة والغير مستقرة فإن إيران إستطاعت التغلب على إنقلاب سياسي ناعم سنة 2009 لتكون أكثر أمناً ولتحافظ الثورة على رونقها لأكثر من 40 سنة على الرغم من الضغوط الناعمة والمتوسطة والصعبة من قبل منافسيها الأقوياء أقامت خلالها عدة إنتخابات شعبية للتأكيد على الأسس الشعبية للنظام بالتوزاي مع عقيدة ولاية الفقيه.

إن دراسة الأوضاع الراهنة في إيران يؤكد أنها باتت مثالاً يحتذى بالنسبة للعديد من البلدان الصغيرة والكبيرة في المنطقة وآسيا، بمعنى ان القائد أصبح زعيماً وطنياً يتمتع بالصفة القانونية والقبول الشعبي على رأس السلطات الثلاث وحافظ على إستقرار مجتمعه وبلاده  لذلك نرى مؤخراً أن الروس يسعون لإيجاد صفة محددة لفلايمير بوتين بعد إنتهاء دورته الرئاسية حتى مع قدوم رؤساء آخرين من أجل إبقاء بوتين على رأس شؤون البلد الذي أحيا الإمبراطورية السوفيتية فيه من جديد، وهذا بالضبط ما مايسعى له الأتراك كذالك عبر سن قوانين لتثبيت نظام الحزب الواحد بزعامة رجب طيب أرودغان حامل لواء الخلافة العثمانية، أو كما حصل في طاجيكستان عبر تشريع بقاء الرئيس إمام علي رحمانوف رئيس للجمهورية مدى العمر، أو القيادات الدينية مثل آية الله السيستاني في العراق، أو القيادات الثورية مثل السيد حسن نصرالله.

إذا هي مؤشرات على نجاعة النظام أنشأه الإمام الخميني في القرن العشرين وتركه إرث للقرون المقبلة وتصدير لفكرة القيادة من بلد إلى باقي البلدان حول العالم ناهيك عن ما تصدره إيران عبر مؤسسات مختصة بالنظام من أمور ثقافية وفكرية إسلامية في مجالات الإعلام والجامعات “إضافة إلى الحوزات الدينية/ المراكز العلمية” التي أولاها الإمام الخميني الراحل أهمية خاصة وإستثنائية، إذا أكد أن الأسس الذي يقوم عليها النظام تتعلق بشكل مباشر بتواجد الحوزات.

مترجم من مقالة الكاتب: ياسر محسني “رئيس مركز التحقيقات الإسلامية المعاصرة”

Author

إيران

الإمام الخميني

الجهاد

النظام الإسلامي


اكتب تعليقك الخاص عنون البريد الألكتروني ورقم الهاتف لن يظهر في التعليق

نام

ایمیل

دیدگاه


برای گزاشتن تصویر خودتان به سایت Gravatar مراجعه کنید.